﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ (١٠٦)﴾
ثمّ بيّن سبحانه القسم الآخر من النّاس بقوله : ﴿وَآخَرُونَ﴾ منهم قوم ﴿مُرْجَوْنَ﴾ ومؤخّرون في جزائهم ﴿لِأَمْرِ اللهِ﴾ وإلى نزول حكمه في شأنهم ، أو إلى إرادته التّعذيب أو العفو ، فهو تعالى ﴿إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ﴾ على ذنوبهم إن سوّفوا التّوبة إلى أن يموتوا على ما هم عليه ﴿وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ إن تابوا عن خلوص ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ﴾ بأحوالهم ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما يفعل بهم من التّعذيب والعفو.
روي عنهما عليهماالسلام في هذه الآية : « أنّهم قوم مشركون ، قتلوا مثل حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين ، ثمّ دخلوا في الإسلام ، فوحّدوا الله وتركوا الشّرك ، ولم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنّة ، ولم يكونوا على جحودهم فيكفروا فتجب لهم النّار ، فهم على تلك الحال إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم » (١) .
﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ
حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ
لَكاذِبُونَ * لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ
تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٧) و (١٠٨)﴾
ثمّ ذمّ الله المنافقين على بناء مسجد ضرار بقوله : ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾ وبنوا ﴿مَسْجِداً﴾ بجنب مسجد قبا (٢) ، ليكون أو ليضرّوا به ﴿ضِراراً وَكُفْراً وَ﴾ ليفرّقوا به ﴿تَفْرِيقاً﴾ ويوقعوا اختلافا ﴿بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ﴾ يترصّدوا وينتظروا ﴿إِرْصاداً﴾ وانتظارا ﴿لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ﴾
في بيان علة بناء مسجد ضرار
عن ابن عبّاس وجمع من مفسّري العامّة قالوا : كانوا اثني عشر رجلا من المنافقين ، بنوا مسجدا ليضارّوا مسجد قبا (٣) .
وقيل : إنّ أبا عامر الرّاهب - والد حنظلة ، الذي غسّلته الملائكة - وسمّاه رسول الله صلىاللهعليهوآله الفاسق ، وقد تنصّر في الجاهليّة ، وترهّب وطلب العلم ، فلمّا خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله عاداه لأنّه زالت رئاسته ،
__________________
(١) تفسير العياشي ٢ : ٢٦١ / ١٩٠١ والكافي ٢ : ٢٩٩ / ١ عن الباقر عليهالسلام ، تفسير القمي ١ : ٣٠٤ عن الصادق عليهالسلام ، تفسير الصافي ٢ : ٣٧٤.
(٢) مسجد قبا : أصله اسم بئر في قرية تجمّع حولها بنو عمرو بن عوف ، على ميلين من المدينة ، وفيها مسجد التقوى ، وهو أول مسجد صلّيت فيه صلاة الجمعة.
(٣) تفسير الرازي ١٦ : ١٩٣. عن ابن عباس ومجاهد وقتاده وعامة أهل التفسير.