الموالاة والموادّة ﴿فَأُولئِكَ﴾ الموالون لهم ﴿هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ على أنفسهم بتعريضها للهلاك والعذاب.
عن ابن عباس قال : يريد مشركا مثلهم ؛ لأنّه رضي بشركهم ، والرّضا بالكفر كفر ، كما أنّ الرّضا بالفسق فسق (١) .
قيل : إنّهم ظالمون بوضع الموالاة في غير موضعها (٢) .
عن الباقر عليهالسلام : « الكفر في الباطن ، في الآية : ولاية الأول والثاني ، والايمان : ولاية عليّ عليهالسلام » (٣) .
ثمّ قيل : إنّ جماعة من المؤمنين قالوا : يا رسول الله ، كيف يمكننا البراءة منهم بالكليّة ، وإنّها توجب انقطاعنا عن آبائنا وإخواننا وعشيرتنا ، وذهاب تجارتنا ، وهلاك أموالنا ، وخراب ديارنا (٤) ؟ وقيل : لمّا امروا بالهجرة كان يمنعهم أقرباؤهم ، فمنهم من كان يتركها لأجلهم (٥) .
وعن القمّي : لما أذّن أمير المؤمنين عليهالسلام بمكّة : أن لا يدخل المسجد الحرام مشرك بعد ذلك العام ، جزعت قريش وقالوا : ذهبت تجارتنا وضاع عيالنا ، وخربت دورنا (٦) ، فردّهم الله بقوله : ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمّد : ﴿إِنْ كانَ آباؤُكُمْ﴾ أيّها المؤمنون ﴿وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها﴾ وأصبتموها ﴿وَتِجارَةٌ﴾ وأمتعة مهيّأة للمعاملة ﴿تَخْشَوْنَ كَسادَها﴾ وفوات أوان رواجها لغيبتكم من سوقها ﴿وَمَساكِنُ﴾ ومنازل ﴿تَرْضَوْنَها﴾ وتحبّونها لأنفسكم ﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾ وطاعتهما بالهجرة إلى المدينة ، ﴿وَجِهادٍ﴾ مع أعداء الله ﴿فِي سَبِيلِهِ﴾ وطلبا لمرضاته ﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ وانتظروا ﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ﴾ من عقوبة شديدة عاجلة ، أو أجلكم ؛ لأنّكم عصيتم الله بترجيح حبّ غيره على حبّه ، وتقديم هوى أنفسكم وشهواتها على مرضاته ومرضاة رسوله ، وحبّ الحطام الفانية الدّنيويّة على النّعم الاخرويّة الدائمة ، وحبّ المساكن الخربة الزائلة على القصور العالية. فإنّ ذلك لا يكون إلّا لضعف الايمان ، وعدم المعرفة الصحيحة بالمبدأ والمعاد ، والإقبال على الدّنيا ، والإعراض عن الدّين ، والخروج عن حدوده ﴿وَاللهُ لا يَهْدِي﴾ إلى الخير ، ولا يوصل إليه ﴿الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ﴾ والخارجين عن حدود العقل والشّرع.
وفيه وعيد شديد لا يتخلّص منه إلّا الأوحديّ من أهل الايمان.
في الحديث : « لا يجد [ أحدكم ] طعم الايمان حتّى يحبّ في الله ويبغض في الله » (٧) .
__________________
(١) تفسير الرازي ١٦ : ١٨.
(٢) تفسير روح البيان ٣ : ٤٠٣.
(٣) تفسير العياشي ٢ : ٢٢٦ / ١٨٠٣ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٢٩.
(٤) تفسير الرازي ١٦ : ١٩.
(٥) جوامع الجامع : ١٧٦.
(٦) تفسير القمي ١ : ٢٨٤ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٢٩.
(٧) جوامع الجامع : ١٧٦ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٢٩.