والحجابة ، فأنزل الله [ الآية ] ، وكان عليّ وحمزة وجعفر الّذين آمنوا بالله واليوم الآخر ، وجاهدوا في سبيل الله » (١) .
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً
عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ
لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٠) و (٢٢)﴾
ثمّ عيّن الله الفاضل صريحا بقوله : ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾ وهم عليّ عليهالسلام وأضرابه ، فإنّهم بسبب تلك الصّفات ﴿أَعْظَمُ دَرَجَةً﴾ وأعلى منزلة ، وأكثر كرامة ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ ممّن ليس له هذه الصّفات ، وإن كان ساقي الحاجّ وعامر المسجد الحرام ﴿وَأُولئِكَ﴾ المتّصفون بتلك الصّفات الفائقة ﴿هُمُ الْفائِزُونَ﴾ بأعلى المقاصد ، وهو أنّه ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ﴾ في الدّنيا بلسان الرّسل ، وفي الآخرة بتوسّط الملائكة ﴿بِرَحْمَةٍ﴾ عظيمة كائنة ﴿مِنْهُ﴾ تعالى ﴿وَرِضْوانٍ﴾ منه تعجز العقول عن إدراكهما ووصفهما ﴿وَجَنَّاتٍ﴾ وبساتين عديدة ﴿لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾ ودائم لانفاد له ، حال كونهم ﴿خالِدِينَ﴾ في تلك الجنّات ، مقيمين ﴿فِيها أَبَداً﴾ ليس لهم خوف الخروج منها ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ﴾ على هذه الكمالات النفسانيّة ﴿أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ يستحقر عنده كلّ أجر.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ
عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ
وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ
تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي
سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٣) و (٢٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد النّهي عن اتّخاذ الكفّار وليجة وبطانة ، نهى عن موالاتهم ولو كانوا أقرب الأقارب ، بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله عن صميم القلب ﴿لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ﴾ مع كمال قربهم إليكم ﴿أَوْلِياءَ﴾ وأحبّاء لأنفسكم ﴿إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ﴾ ورجّحوه ﴿عَلَى الْإِيمانِ﴾
ثمّ حذّرهم الله عن موالاتهم ومخالطتهم بقوله : ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ﴾ ويوادّهم ﴿مِنْكُمْ﴾ بأيّ مرتبة من
__________________
(١) تفسير العياشي ٢ : ٢٢٦ / ١٨٠٢ ، الكافي ٨ : ٢٠٣ / ٢٤٥ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٢٨.