فقال العبّاس : تذكرون مساوءنا وتكتمون محاسننا. فقالوا : ولكم محاسن ؟ ! قال : نعم ، إنّما نعمر المسجد الحرام ، ونحجب الكعبة ، ونسقي الحجيج ، ونفكّ العاني ، فنزلت (١) .
ثمّ حصر الله العمارة النّافعة بالمؤمنين بقوله : ﴿إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ﴾ عمارة نافعة ﴿مَنْ آمَنَ بِاللهِ﴾ وبوحدانيّته ﴿وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ ودار الجزاء ﴿وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ﴾ في القيام بوظائف دينه أحدا ﴿إِلَّا اللهَ﴾
قيل : من عمارة المسجد : كنسه وتنظيفه ، وتنويره بالسّراج ، وصيانته ممّا لا يليق به ؛ كحديث الدّنيا والكسب واللّغو واللهو ، والاشتغال فيه بالعبادة والذّكر ، ودرس العلوم الدينيّة.
في الحديث القدسي : إنّ بيوتي في الأرض المساجد ، وإنّ زوّاري فيها عمّارها ، فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثمّ زارني في بيتي ، فحقّ على المزور أن يكرم زائره (٢) .
وفي الحديث النبويّ : « يأتي في آخر الزّمان اناس من امّتي يأتون المساجد ، يقعدون فيها حلقا ، ذكرهم الدّنيا وحبّ الدّنيا ، لا تجالسوهم فليس [ لله ] بهم حاجة » (٣) .
ثمّ وعد الله المتّصفين بالكلمات العلميّة والعمليّة بالاهتداء إلى الخير - بصيغة الترجّي - قطعا لطمع المشركين في الانتفاع بعمارتها ؛ بقوله : ﴿فَعَسى﴾ ويرجى في حقّ ﴿أُولئِكَ﴾ المؤمنين ﴿أَنْ يَكُونُوا﴾ بأعمالهم الحسنة ﴿مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾
قيل : لم يذكر الايمان بالرّسول صلىاللهعليهوآله في الآية : لاستلزام الصّلاة المعهودة الايمان بشارعها ، ولأنّ من أجزائها الشّهادة بالرّسالة ، ولإجهار أنّ مقصود الرّسول تبليغ معرفة المبدأ والمعاد دون رئاسة نفسه ، حتّى لا يتوهّموها في حقّه.
وقيل : إنّ في إقران الزّكاة بالصّلاة دلالة على عدم قبول أحدهما بدون الآخر (٤) .
﴿أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩)﴾
ثمّ نقل أنّه افتخر طلحة بن شيبة والعبّاس وعليّ ، فقال طلحة : أنا صاحب البيت وبيدي مفتاحه ، وقال العبّاس : أنا صاحب السّقاية ، وقال عليّ : « أنا صاحب الجهاد » ، فردّ الله على طلحة والعبّاس بقوله : ﴿أَجَعَلْتُمْ﴾ أيّها المفتخرون ﴿سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ في الفضيلة والكرامة
__________________
(١) جوامع الجامع : ١٧٥ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٢٧.
(٢) تفسير الرازي ١٦ : ١٠.
(٣) تفسير الرازي ١٦ : ١٠.
(٤) تفسير روح البيان ٣ : ٣٩٨.