﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ
دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦)﴾
ثمّ أنكر سبحانه على المؤمنين حسبان عدم افتتانهم بالجهاد وترك رعاية القرابة والصّداقه ترغيبا لهم فيه بقوله : ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ وهل توهّمتم ﴿أَنْ تُتْرَكُوا﴾ على الحالة التي أنتم فيها من الاختلاط ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ﴾ ولم يميّز ﴿الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ﴾ ممّن لا يجاهد ﴿وَ﴾ لم يميّز الذين ﴿لَمْ يَتَّخِذُوا﴾ ولم يختاروا لأنفسهم ﴿مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ وبطانة وصاحب سرّ من غيره ﴿وَاللهُ خَبِيرٌ﴾ وعالم ﴿بِما تَعْمَلُونَ﴾ من الجهاد وتركه ، واتّخاذ الوليجه وعدمه.
عن الباقر عليهالسلام : « يعني بالمؤمنين آل محمّد ، والوليجة : البطانة » (١) .
وعنه عليهالسلام : « لا تتّخذوا من دون الله وليجة فلا تكونوا مؤمنين ، فإنّ كلّ سبب ونسب وقرابة ووليجة وبدعة وشبهة منقطع إلّا ما أثبته القرآن » (٢) .
وعن أبي محمّد العسكري عليهالسلام : « الوليجة : الذي يقام دون وليّ الأمر ، والمؤمنون في هذا لموضع هم الأئمّة الذين يؤمنون على الله فيجيز أمانهم » (٣) .
﴿ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ
حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ
يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)﴾
ثمّ روي أنّ المشركين كانوا يفتخرون بعمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج ، فبيّن الله أن لا فضيلة في هذين العملين مع الشّرك ؛ بقوله : ﴿ما كانَ﴾ وما صحّ ﴿لِلْمُشْرِكِينَ﴾ في حال شركهم ﴿أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ﴾ [ سواء ] كان المسجد الحرام أو غيره ، ولا نفع لهم فيه ، مع كونهم ﴿شاهِدِينَ﴾ ومعترفين ﴿عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ عملا حيث ينصبون الأصنام فيها ويعبدونها ، وقولا حيث يقولون : نعبدها ليقرّبونا إلى الله ﴿أُولئِكَ﴾ المطرودون عن ساحة رحمة الله ﴿حَبِطَتْ﴾ وبطلت ﴿أَعْمالُهُمْ﴾ الخيريّة التي يفتخرون بها ﴿وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ﴾ في الآخرة لأنّ الشّرك ظلم عظيم ، ومعصية غير مغفورة.
روي أنّ المسلمين عيّروا اسارى بدر ، ووبّخ عليّ عليهالسلام العبّاس بقتال رسول الله صلىاللهعليهوآله وقطيعة الرّحم ،
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٢٨٣ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٢٦.
(٢) الكافي ١ : ٤٨ / ٢٢ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٢٦.
(٣) الكافي ١ : ٤٢٥ / ٩ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٢٦.