المدرك ﴿أَحَقُ﴾ وأولى من غيره ﴿أَنْ تَخْشَوْهُ﴾ وتخافوه في مخالفة أمره ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بوحدانيّته ، وكمال قدرته ، وشدّة عقابه على من خالفه وعصاه. ومن المعلوم أنّ لازم هذا الإيمان أن لا يخشى إلّا منه.
﴿قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ
مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ (١٤) و (١٥)﴾
ثمّ أكّد سبحانه وجوب قتالهم بقوله : ﴿قاتِلُوهُمْ﴾ أيّها المؤمنون ﴿يُعَذِّبْهُمُ اللهُ﴾ بالقتل والأسر ﴿بِأَيْدِيكُمْ﴾ وسيوفكم ﴿وَيُخْزِهِمْ﴾ ويذلّهم ﴿وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ جميعا ﴿وَيَشْفِ﴾ من ألم الحقد وانتظار الفتح ﴿صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ قيل : هم خزاعة ، وعن ابن عبّاس : [ هم ] بطن من اليمن وسبأ ، قدموا مكّة [ فأسلموا ] فلقوا من أهلها أذى كثيرا ، فبعثوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله يشكون إليه ، فقال : « أبشروا ، فإنّ الفرج قريب » (١)﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ ويسكّن غضبهم.
عن العيّاشي : عن أبي الأغرّ التميمي (٢) قال : كنت واقفا يوم صفّين ، إذ نظرت إلى العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وهو شاك في السّلاح ، إذ هتف به هاتف من أهل الشام يقال له عرار بن أدهم : يا عبّاس هلمّ إلى البراز ، ثمّ تكافحا بسيفهما مليّا لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لأمته ، إلى أن حطّ العبّاس درع الشامي فأهوى إليه بالسّيف فانتظم به جوانح الشامي ، فخرّ الشامي صريعا وكبّر الناس تكبيرة ارتجّت لها الأرض ، فسمعت قائلا يقول : ﴿قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾ الآية.
فالتفتّ فإذا هو أمير المؤمنين عليهالسلام (٣) .
ثمّ أخبر الله بإسلام بعضهم بقوله : ﴿وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ﴾ إسلامه وتوبته من السيّئات من هؤلاء المشركين ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ﴾ بأحوال خلقه وعواقب أمورهم ﴿حَكِيمٌ﴾ في فعاله ، يراعي مصالح عباده.
وفي الأخبار المذكور دلالة واضحة على صدق النبيّ صلىاللهعليهوآله ، لوقوع ما أخبر به ، فإنّه أسلم بعد الآية عكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو ، وجمع آخر من المشركين.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ٣٩٥.
(٢) في النسخة : أبي الأعز اليمني.
(٣) تفسير العياشي ٢ : ٢٢١ / ١٧٩٧ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٢٥. ورواه ابن قتيبة في عيون الأخبار ١ : ١٧٩ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ٥ : ٢١٩.