ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من الاستبدال والصدّ.
روي أنّ أبا سفيان بن حرب جمع الأعراب وأطعمهم ليصدّهم بذلك عن متابعة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وليحملهم على نقض العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فنقضوه بسبب تلك الأكلة (١) .
﴿لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا
الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ *
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ
لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٠) و (١٢)﴾
ثمّ ذمهم سبحانه بعدم رعاية أحد من المؤمنين بقوله : ﴿لا يَرْقُبُونَ﴾ ولا يرعون ﴿فِي﴾ حقّ ﴿مُؤْمِنٍ﴾ كائنا من كان ﴿إِلًّا﴾ وحلفا أو قرابة ﴿وَلا ذِمَّةً﴾ وعهدا أو حقّا ﴿وَأُولئِكَ﴾ المذمومون ﴿هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ والمتجاوزون عن حدود العقل والدّين ، فبلغوا غاية الشّرارة والظّلم.
ثمّ أنّه تعالى بعد الإبلاغ في ذمّ المشركين بنكث العهد والغدر والصدّ والظّلم ، أعلن بسعة رحمته بقوله : ﴿فَإِنْ تابُوا﴾ - مع هذه الذّمائم - عن الشّرك والأعمال السيّئة ، وحقّقوا إيمانهم بالالتزام بلوازمه ﴿وَأَقامُوا الصَّلاةَ﴾ التي هي أهمّ شعائره ﴿وَآتَوُا الزَّكاةَ﴾ التي هي أعظم آثاره ﴿فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ هؤلاء التائبون ، فارضوا لهم ما ترضون لأنفسكم ، كما تكونون كذلك في حقّ إخوانكم في النّسب ، كذلك التّفصيل ﴿وَ﴾ الشّرح البليغ ﴿نُفَصِّلُ﴾ ونشرح ﴿الْآياتِ﴾ والأحكام ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ ويفهمون الحكم والمصالح ، فإنّهم يدركون حسن تلك الأحكام ، ويلتزمون بها. وفيه غاية الحثّ على محافظتها (٢) .
عن ابن عبّاس قال : حرّمت هذه الآية دماء أهل القبلة (٣) .
﴿وَإِنْ نَكَثُوا﴾ ونقضوا ﴿أَيْمانَهُمْ﴾ وأحلافهم ﴿مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ﴾ المؤكّد بها ، وتجاهروا بالشرّ والفساد ﴿وَطَعَنُوا﴾ وقدحوا ﴿فِي دِينِكُمْ﴾ الحقّ ، وعابوه عنادا له ﴿فَقاتِلُوا﴾ هم إذن ، لكونهم ﴿أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ ورؤساء الضّلال ، ولا تمهلوهم ﴿إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ﴾ في الحقيقة ، وإلّا لما نكثوها ، أو المراد : لا أمان لهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾ ويرتدعون عن الكفر وأعمالهم الشّنيعة.
عن القمّي رحمهالله : نزلت هذه الآية في أصحاب الجمل ، وقال أمير المؤمنين عليهالسلام يوم الجمل ما قاتلت
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ٣٩٢.
(٢) كذا ، والظاهر : المحافظة عليها.
(٣) تفسير الرازي ١٥ : ٢٣٣.