﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧)﴾
ثمّ أنكر سبحانه حسن مراعاة العهد في حقّ النّاكثين بقوله : ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ﴾ واجب الرّعاية والوفاء ﴿عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ﴾ لهؤلاء المشركين مع إضمارهم الغدر والنّكث ﴿إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ﴾ - قيل : يعني : ولكن يجب مراعاة العهد للذين عاهدتموهم - وأكّدتموه بإيقاعه ﴿عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ وفي قرب منه ، وهم بنو ضمرة وبنو كنانة ، فإنّهم لم ينقضوا عهدهم ، ولم يضمروا الغدر فيه ﴿فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ﴾ ووفوا بعهدهم ﴿فَاسْتَقِيمُوا﴾ واثبتوا على الوفاء ﴿لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ و المحترزين عن نقض العهد.
﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى
قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨)﴾
ثمّ أكد سبحانه إنكار حسن الوفاء بعهد الناكثين بقوله : ﴿كَيْفَ﴾ يحسن رعاية عهد المشركين ﴿وَ﴾ الحال أنّهم ﴿إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾ ويظفروا بكم ﴿لا يَرْقُبُوا﴾ ولا يراعوا ﴿فِيكُمْ﴾ أبدا ﴿إِلًّا﴾ وحلفا أو قرابة ﴿وَلا ذِمَّةً﴾ وعهدا.
ومن الواضح أنّ وجوب مراعاة العهد على كلّ من المتعاهدين مشروط بمراعاة الآخر ، وهم لا يراعون بل يخادعون ، ويغدرونكم بأنّهم ﴿يُرْضُونَكُمْ﴾ عن أنفسهم بإظهار الوفاء والصّفاء ، ووعد الايمان والطّاعة ، واعلموا أنّ كلّ ذلك يكون ﴿بِأَفْواهِهِمْ﴾ وألسنتهم ﴿وَتَأْبى﴾ وتمتنع ﴿قُلُوبُهُمْ﴾ ممّا يقولون لكم ويتفوّهون به عندكم ﴿وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ﴾ وخارجون عن حدود العقل ، ومتمرّدون عن طاعة أحكام الشّرع ، ليست لهم عقيدة مانعة ولا مروءة رادعة.
قيل : في تخصيص الأكثر بالحكم بالفسق إشعار بوجود من يتعفّف عن فعل ما يجرّ إليه المثالب والمعائب في المشركين.
﴿اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في ذمّهم بقوله : ﴿اشْتَرَوْا﴾ هؤلاء النّاكثون ﴿بِآياتِ اللهِ﴾ الدالّة على التّوحيد ووجوب الوفاء بالعهود ، وأعرضوا عنها ، وأخذوا بدلا منها ﴿ثَمَناً﴾ وعوضا ﴿قَلِيلاً﴾ ويسيرا من حطام الدّنيا وشهواتها الفانية ﴿فَصَدُّوا﴾ وعدلوا ﴿عَنْ سَبِيلِهِ﴾ أو صرفوا النّاس عنها ﴿إِنَّهُمْ ساءَ