﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ
وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ
فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)﴾
ثمّ أمر الله المسلمين بالتّشديد على النّاكثين بقوله : ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ﴾ وانقضى ﴿الْأَشْهُرُ﴾ التي هي ﴿الْحُرُمُ﴾ لحرمة القتال فيها إمهالا ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ بأيّ نحو أمكنكم ﴿حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ وفي أيّ مكان لقيتموهم من الحلّ والحرم ، وفي أي حال أدركتموهم ﴿وَخُذُوهُمْ﴾ وأسروهم ﴿وَاحْصُرُوهُمْ﴾ في المضائق ، واجسوهم في المحابس. وقيل : يعني امنعوهم من البيت الحرام ﴿وَاقْعُدُوا﴾ منتظرين ﴿لَهُمْ﴾ القتل والأخذ ﴿كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ وطريق تترقّبون عبورهم فيه إلى البيت أو التّجارة ، وسدّوا سبيلهم ﴿فَإِنْ تابُوا﴾ من الشّرك بالدّخول في الإسلام ﴿وَأَقامُوا الصَّلاةَ﴾ المفروضة ﴿وَآتَوُا الزَّكاةَ﴾ الواجبة التي هي من أعظم شعائر الاسلام ﴿فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ إلى البيت والذّهاب إلى مهمّاتهم ، ولا تتعرّضوا لهم بوجه أبدا ﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ﴾ لهم ما سلف من ذنوبهم بعد التّوبة والايمان ﴿رَحِيمٌ﴾ بهم إذا صدّقوا إيمانهم بالأعمال الصّالحات.
﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ
مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦)﴾
ثمّ نبّه سبحانه على أنّ التّشديد على الكفّار إنّما هو لتماميّة الحجّة عليهم ، وأمّا من كان في طلب الحقّ وتحقيق صحّة دين الاسلام ، فلا يجوز التعرّض له ، بقوله : ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ الذين امرت بالتّشديد عليهم ﴿اسْتَجارَكَ﴾ واستأمنك ، وطلب الجوار منك والأمان ، لسماع القرآن وتحقيق الحقّ ﴿فَأَجِرْهُ﴾ وآمنه ﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ﴾ الذي يتمّ بسماعه الحجّة على كلّ أحد لوضوح إعجازه ﴿ثُمَ﴾ بعد استماعه القرآن ﴿أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ من منزله أو قبيلته إن لم يؤمن ، ويكون ﴿ذلِكَ﴾ الحكم بوجوب تأمينه وإيصاله إلى مأمنه معلّلا ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ﴾ الكتاب والدّين وحقيقته ، فلا بدّ من تأمينهم وإمهالهم حتّى يفهموا الحقّ ، وينقطع عنهم العذر.
عن ابن عبّاس قال : إنّ رجلا من المشركين قال لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام : إن أردنا أن نأتي رسول الله بعد انقضاء الأجل لسماع كلام الله ، أو لحاجة اخرى ، فهل نقتل ؟ فقال عليّ عليهالسلام : « لا ، إنّ الله تعالى قال : ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ إلى آخره » (١) .
__________________
(١) تفسير الرازي ١٥ : ٢٢٦.