كما قال : « عليّ منّي وأنا منه » .
وكفى هذا في فضيلة عليّ وإثبات خلافته للرّسول ، وعدم قابلية أبي بكر لها ، خصوصا على ما في روايات أصحابنا من أنّه صلىاللهعليهوآله أعطى أبا بكر الآيات أوّلا ، ثمّ بعث عليّا وراءه بأمر الله ، وأمره بأخذها منه. فإنّ الدّلالة التي ذكرنا فيه أوضح ، والإعلان أظهر.
قال الفخر الرّازي بعد نقل الرواية السابقة : اختلفوا في السّبب الذي لأجله أمر عليّا عليهالسلام بقراءة هذه السورة عليهم ، وتبليغ هذه الرسالة إليهم ، فقالوا : السبب فيه أنّ عادة العرب أن لا يتولّى تقرير العهد ونقضه إلّا رجل من الأقارب ، فلو تولّاه أبو بكر لجاز أن يقولوا : هذا خلاف ما نعرف فينا من نقض العهد ، فربّما لم يقبلوا فازيحت علّتهم بتولية ذلك عليّا (١) .
وقيل : لمّا خصّ أبا بكر بتولية إمارة الموسم ، خصّ عليّا بهذا التبليغ تطييبا للقلوب ورعاية للجوانب (٢) .
وقيل : قرّر أبا بكر على الموسم ، وبعث خلفه عليا لتبليغ هذه الرّسالة ، حتّى يصلّي عليّ خلف أبي بكر ، ويكون ذلك جاريا مجرى التّنبيه على إمامة أبي بكر (٣) .
أقول : في الوجوه الملفّقة ما لا يخفى من الوهن :
أمّا الأول : ففيه أنّ إلغاء العهد لم يكن من الرسول صلىاللهعليهوآله ، بل كان من الله ، وعلى ما ذكروه كان اللّازم أن يكون مبلّغه هو الله أو رسوله أو من هو بمنزلة نفس الرسول وهو علي عليهالسلام لآية ﴿أَنْفُسَنا﴾(٤) ، مع أنّه لو كان عادة العرب أن لا يتولّى نقض العهد إلّا أقارب المعاهد ، لم يقل أصحابه المطّلعون على تلك العادة : لو بعثت إلى أبي بكر ، مضافا إلى احتمال انقضاء مدّة عهد المسلمين ، وكان المقصود من البراءة المنع من العود إلى العهد وتجديده ، فلم يكن نقض عهد حتّى يحتاج إلى أن يكون مبلّغه الأقارب.
وامّا الوجه الثاني : ففيه أنّه صلىاللهعليهوآله أراد تطييب قلب علي عليهالسلام أو قلب غيره ؟ فإن قلتم إنّه أراد تطييب قلب عليّ عليهالسلام ، فمن المعلوم عنده صلىاللهعليهوآله وعند أصحابه أنّ قلب عليّ عليهالسلام كان طيّبا بما كان يفعله رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولم يكن يخطر في قلبه خطور سوء بفعله صلىاللهعليهوآله ، ولو أهانه عند الأصحاب غاية التّوهين فإنّه لا يرى نفسه (٥) في مقابل مرضاة النبيّ صلىاللهعليهوآله. وإن أرادوا تطييب قلب غير عليّ عليهالسلام ، فمن المعلوم أنّ بعث عليّ عليهالسلام بسورة براءة كان أثقل على قلوب كثير من الصّحابة من تنصيب أبي بكر
__________________
(١ و٢) . تفسير الرازي ١٥ : ٢١٨.
(٣) تفسير الرازي ١٥ : ٢١٩.
(٤) آل عمران : ٣ / ٦١.
(٥) كذا.