عليهم ثلاثين أو أربعين آية - وعن مجاهد : ثلاث عشرة آية - ثم قال : « امرت بأربع : أن لا يقرب هذا البيت بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنّة إلّا كلّ نفس مؤمنة ، وأن يتمّ إلى كلّ ذي عهد عهده » .
فقالوا عند ذلك : يا عليّ ، أبلغ ابن عمّك أنا قد نبذنا العهد وراء ظهورنا ، وأنّه ليس بيننا وبينه عهد إلّا طعن بالرّماح وضرب بالسّيوف (١) .
وعن الصادق عليهالسلام : « نزلت هذه الآية بعد ما رجع رسول الله صلىاللهعليهوآله من غزوة تبوك ، في سنة تسع من الهجرة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا فتح مكّة لم يمنع المشركين من الحجّ في تلك السّنة ، وكان سنّة العرب في الحجّ أنّه من دخل مكّة وطاف بالبيت في ثيابه لم يحلّ له إمساكها ، وكانوا يتصدّقون بها ، ولا يلبسونها بعد الطّواف ، فكان من وافى مكّة يستعير ثوبا ويطوف فيه ثمّ يردّه ، ومن لم يجد عارية اكترى ثيابا ، ومن لم يجد عارية ولا كراء ولم يكن له إلّا ثوب واحد طاف بالبيت عريانا ، فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة فطلبت عارية أو كراء فلم تجده ، فقالوا لها : إن طفت في ثيابك احتجت إلى أن تتصدّقي بها ، فقالت : وكيف أتصدّق بها وليس لي غيرها ! فطافت بالبيت عريانة ، وأشرف عليها النّاس ، فوضعت إحدى يديها على قبلها والاخرى على دبرها ، وقالت :
اليوم يبدو بعضه أو كلّه |
|
فما بدا منه فلا احلّه |
فلمّا فرغت من الطّواف خطبها جماعة ، فقالت : إنّ لي زوجا.
وكانت سيرة رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل نزول سورة براءة أن لا يقاتل إلّا من قاتله ، ولا يحارب إلّا من حاربه وأراده ، وقد كان نزل عليه في ذلك من الله عزوجل : ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾(٢) ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوآله لا يقاتل أحدا قد تنحّى عنه واعتزله حتّى نزلت عليه سورة براءة ، وأمر بقتل المشركين من اعتزله ومن لم يعتزله إلّا الذين قد عاهدهم يوم فتح مكّة إلى مدّة ؛ منهم صفوان بن اميّة ، وسهيل بن عمرو ، فقال الله عزوجل : ﴿بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ ثمّ يقتلون حيثما وجدوا.
فهذه أشهر السّياحة : عشرون من ذي الحجّة ، والمحرّم ، وصفر ، وشهر ربيع الأوّل ، وعشر من ربيع الآخر.
فلمّا نزلت الآيات من أول براءة ، دفعها رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى أبي بكر وأمره بأن يخرج إلى مكّة ويقرأها على النّاس بمنى يوم النّحر ، فلمّا خرج أبو بكر نزل جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : يا
__________________
(١) تفسير الرازي ١٥ : ٢١٨.
(٢) النساء : ٤ / ٩٠.