لظهور الخيانة منهم.
قيل : إنّ المسلمين كانوا عاهدوا المشركين من أهل مكّة وغيرهم بإذن الله وأمر الرّسول ، فنكثوا إلّا بني ضمرة وبني كنانة ، فأمر الله المسلمين بنبذ العهد إلى الناكثين.
وقيل : إنّ عهدهم كان مشروطا بعدم أمر الله بقطعه.
وقيل : إنّه قد انقضت مدّة عهدهم ، وإنّما أعلن الله بعدم إعادة العهد معهم ، وأنّ الرّسول مأمور بمحاربتهم.
﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ
مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢)﴾
ثمّ أخبرهم الله بإمهالهم في القتال أربعة أشهر بقوله : ﴿فَسِيحُوا﴾ وسيروا أيّها المشركون ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ آمنين من القتل والغارة ﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ غير خائفين فيها من قتال واغتيال ، وأمّا بعد انقضاء المدّة فليس إلّا الإسلام أو السّيف ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ﴾ بسياحتكم في أقطار الأرض ﴿غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ﴾ وغير فائتين منه بالهرب والتّحصين ﴿وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ﴾ ومذلّهم في الدّنيا بالقتل والأسر ، وفي الآخرة بعذاب أليم.
قيل : نزلت في أوّل شوال ، وكانت (١) الأشهر : شوال وذو القعدة وذو الحجّة ومحرّم ، وكان الإمهال صيانة للأشهر الحرم (٢) .
وقيل : كان أوّلها عاشر ذي الحجّة ، وآخرها عاشر ربيع الآخر ؛ لأنّ التّبليغ كان في يوم النّحر(٣).
روى الفخر الرّازي : أن فتح مكّة كان سنة ثمان ، وكان الأمير فيها عتّاب بن أسيد ، ونزول هذه السّورة سنة تسع ، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله أبا بكر سنة تسع بأن يكون على الموسم ، فلمّا نزلت هذه السّورة أمر عليّا أن يذهب إلى أهل الموسم ليقرأها عليهم ، فقيل له : لو بعثت [ بها ] إلى أبي بكر ؟ فقال : « لا يؤدّي عنّي إلّا رجل منّي » .
فلمّا دنا على سمع أبو بكر الرّغاء ، فوقف وقال : هذا رغاء ناقة رسول الله ، فلمّا لحقه قال : أمير أو مأمور ؟ قال : مأمور ، ثمّ ساروا ، فلمّا كان قبل التّروية خطب أبو بكر وحدّثهم عن مناسكهم ، وقام عليّ يوم النّحر عند جمرة العقبة فقال : « يا أيّها النّاس ، إنّي رسول رسول الله إليكم » فقالوا : بماذا ؟ فقرا
__________________
(١) في النسخة : وكان.
(٢) تفسير الرازي ١٥ : ٢١٩.
(٣) تفسير الرازي ١٥ : ٢٢٠ ، تفسير روح البيان ٣ : ٣٨٣.