في تفسير سورة براءة
﴿بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الأنفال اردفت بسورة البراءة لكونهما في الجهاد ، وما روي عن الصادق عليهالسلام وسعيد بن المسيّب من أنّهما واحد (١) ، محمول على وحدتهما مطلبا ، لوضوح كونهما سورتين.
وقيل : إنّ في الأنفال ذكر العهود ، وفي البراءة نبذها ، فوضعت بجنب الأنفال (٢) .
وقيل : إنّه تعالى ختم سورة الأنفال بإيجاب أن يوالي المؤمنون بعضهم بعضا ، وأن يكونوا منقطعين عن الكفّار (٣) ، وفي البراءة التّصريح به.
ومن أسمائها سورة التوبة ؛ لذكر توبة المهاجرين والأنصار ، والثّلاثة الذين خلّفوا عن رسول الله صلىاللهعليهوآله. وعن حذيفة : إنّكم تسمّونها سورة التوبة ، والله ما تركت أحدا إلّا نالت منه (٤) .
ومنها الفاضحة ؛ عن ابن عبّاس قال : إنّها الفاضحة ، ما زالت تنزل فيهم وتنال منهم حتّى حسبنا (٥) أن لا تدع أحدا (٦) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « لم تنزل ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*﴾ على [ رأس ] سورة براءة ؛ لأنّ ﴿بِسْمِ اللهِ*﴾ للأمان والرّحمة ، ونزلت براءة لرفع الأمان بالسيف » (٧) .
وعن ابن عبّاس قال : سألت عليّا رضى الله عنه لم لم يكتب ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*﴾ بين الأنفال والبراءة ؟ قال : « لأنّ ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*﴾ أمان ، وهذه السّورة نزلت بالسّيف ونبذ العهود ، وليس فيها أمان » (٨) .
وحاصل الرّوايتين عدم المناسبة بين الرّحمة التي تدلّ عليها البسملة ، والإعلان بالحرب ونبذ العهود اللّذين يدلّ عليها الإعلان بالبراءة بقوله : ﴿بَراءَةٌ﴾ وقطيعة عظيمة ، ونبذة عهد كائنة ﴿مِنَ﴾ قبل ﴿اللهِ وَرَسُولِهِ﴾ مرسلة أو موصولة ﴿إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ﴾ معهم ﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ من أهل مكّة ،
__________________
(١) مجمع البيان ٥ : ٤.
(٢ و٣) . تفسير الرازي ١٥ : ٢١٦.
(٤) تفسير الرازي ١٥ : ٢١٥.
(٥) في تفسير الرازي : خشينا.
(٦) تفسير الرازي ١٥ : ٢١٥.
(٧) مجمع البيان ٥ : ٤ ، تفسير الصافي ٢ : ٣١٨.
(٨) تفسير الرازي ١٥ : ٢١٦.