﴿مِنْ وَلايَتِهِمْ﴾ في الميراث ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ وإن كانوا أقرب أقاربكم ﴿حَتَّى يُهاجِرُوا﴾
ثمّ لمّا كان مجال توهّم وجوب القطع منهم في جميع الجهات كالكفّار ، دفعه الله سبحانه بقوله : ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ﴾ واستعانوا بكم (١) على من يعاديهم ﴿فِي الدِّينِ﴾ من الكفّار ﴿فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ لهم ، وليس لكم أن تخذلوهم ﴿إِلَّا﴾ إذا استنصروكم ﴿عَلى قَوْمٍ﴾ من الكفّار الذين ﴿بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ﴾ وعهد على أن لا تقاتلوهم ، فإنّه لا يجوز لكم نصر المؤمنين عليهم في هذه الصّورة ؛ لأنّ حرمة نقض الميثاق مانعة منه ﴿وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ﴾ من الطّاعة والعصيان لأحكامه ﴿بَصِيرٌ﴾ ومطّلع فيجازيكم على ما صدر عنكم على حسب استحقاقكم.
وروي أنّ لمّا نزل قوله تعالى : ﴿ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا﴾ قام الزّبير وقال : فهل نعينهم على أمر إن استعانوا بنا ؟ فنزل ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ﴾ الآية (٢) .
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣)﴾
ثمّ نهى الله المؤمنين عن موالاة الكفّار ومعاونتهم بأيّ وجه ، وإن كانوا أقرب الأقارب بقوله :
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ليسوا أولياءكم لانقطاع العلاقة بينكم وبينهم بالإسلام ، بل ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ لاشتراكهم في السّنخيّة ، واتّفاقهم على الباطل ومعاداة الرّسول ومعارضته ، فيجب عليكم التّباعد منهم والتّعاند معهم و﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ﴾ بأن تخالطوهم وتوالوهم ﴿تَكُنْ فِتْنَةٌ﴾ عظيمة ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ وهي ضعف المؤمنين وقوّة الكفّار ﴿وَفَسادٌ كَبِيرٌ﴾ من جهة رغبة المسلمين إلى الكفّار ، ورجوعهم عن الإسلام إلى الكفر بسبب المخالطة والموادّة.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ
هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا
وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي
كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٤) و (٧٥)﴾
ثمّ مدح الله سبحانه المؤمنين من المهاجرين والأنصار بقوله : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا﴾ الكفّار بأموالهم وأنفسهم ﴿فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا﴾ هم على الكفّار ﴿أُولئِكَ هُمُ
__________________
(١) في النسخة : عنكم.
(٢) تفسير الرازي ١٥ : ٢١١.