به ، كيلا يضيع ماله عند قريش ، وكان قد استأذن النبيّ صلىاللهعليهوآله في الهجرة ، فكتب إليه : « يا عمّ أقم مكانك الذي أنت فيه ، فإنّ الله يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوّة » فكان كذلك (١) .
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ
آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ
مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ
النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان قضيّة بدر وثبات المؤمنين فيها ، وبيان أحكام الجهاد والغنيمة والأسر ، شرع في مدح المؤمنين وذكر أقسامهم ، بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله وكتابه ﴿وَهاجَرُوا﴾ أوطانهم وأهليهم للالتزام بخدمة الرّسول صلىاللهعليهوآله ، والقيام بطاعته ﴿وَجاهَدُوا﴾ أعداء الله ﴿بِأَمْوالِهِمْ﴾ بأن صرفوها إلى المحتاجين ولوازم الجهاد ﴿وَأَنْفُسِهِمْ﴾ بأن باشروا القتال ، وخاضوا فى المهالك ﴿فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ وطلبا لنصرة دينه ، وحبّا لرسوله ﴿وَالَّذِينَ آوَوْا﴾ وأسكنوا النبيّ صلىاللهعليهوآله والمهاجرين في بلدهم ومأواهم ﴿وَنَصَرُوا﴾ هم على أعدائهم ، وعاونوهم على مقاصدهم ﴿أُولئِكَ﴾ المؤمنون بتلك الصّفات الفائقة ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ﴾ ووارث ﴿بَعْضٍ﴾
القمّي : لمّا هاجر رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى المدينة آخا بين المهاجرين والمهاجرين ، وبين الأنصار والأنصار ، وبين المهاجرين والأنصار ، وكان إذا مات الرّجل يرثه أخوه في الدّين ويأخذ المال ، وكان له ما ترك دون ورثته ، فلمّا كان بعد بدر أنزل الله : ﴿النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ﴾(٢) فنسخت آية الاخوّة ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ﴾(٣) .
وفي ( المجمع ) عن الباقر عليهالسلام : « أنّهم كانوا يتوارثون بالمواخاة الاولى (٤) ، دون التّقارب ، حتّى نسخ ذلك [ بقوله ] : ﴿وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ﴾(٥) .
وعن ابن عبّاس : المراد هو الولاية في الميراث ، وقال : جعل الله تعالى سبب الإرث الهجرة والنّصرة دون القرابة ، وكان القريب إذا آمن ولم يهاجر لم يرث ، من أجل أنّه لم يهاجر ولم ينصر (٦) .
كما بيّن الله ذلك بقوله : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا﴾ كسائر المؤمنين ﴿ما لَكُمْ﴾ أيّها المؤمنون
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ٣٧٦.
(٢) الأحزاب : ٣٣ / ٦.
(٣) تفسير القمي : ١ : ٢٨٠ ، تفسير الصافي ٢ : ٣١٥.
(٤) مجمع البيان ٤ : ٨٦٢ ، تفسير الصافي ٢ : ٣١٦.
(٥) تفسير الصافي ٢ : ٣١٦.
(٦) تفسير الرازي ١٥ : ٢٠٩.