فنزلت ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى﴾ كالعبّاس وغيره : ﴿إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً﴾ من الإيمان والخلوص والنّصح للرّسول صلىاللهعليهوآله ﴿يُؤْتِكُمْ﴾ ويعطيكم في الدّنيا وفي الآخرة ، أو فيهما من الثّواب ما يكون ﴿خَيْراً﴾ وأفضل ﴿مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ﴾ من الفداء والغنيمة ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ ذنوبكم التي سلفت منكم ﴿وَاللهُ غَفُورٌ﴾ لذنوب المذنبين ﴿رَحِيمٌ﴾ بعباده المؤمنين.
عن السجّاد عليهالسلام قال : « أتى النبيّ صلىاللهعليهوآله بمال دراهم (١) فقال : يا عبّاس ابسط رداءك وخذ من هذا المال طرفا ، فبسط رداءه وأخذ طائفة منه ، ثمّ قال رسول الله : هذا من الذي قال الله : ﴿إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً ... مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ﴾(٢) .
وروي أنّ العبّاس قال : فأبدلني الله خيرا ممّا اخذ منّي ، لي الآن عشرون عبدا ، وإنّ أدناهم ليضرب - أي يتّجر - في عشرين ألف درهم ، وأعطاني سقاية زمزم ، ما أحبّ أنّ لي بها جميع أموال أهل مكّة ، أنجز الله لي أحد الوعدين ، وأنا أرجو أن ينجز لي الوعد الثّاني (٣) .
وروي أنّه قدم على رسول الله صلىاللهعليهوآله مال البحرين ثمانون ألفا ، فتوضّأ لصلاة الظّهر وما صلّى حتّى فرّقه ، وأمر العبّاس أن يأخذ منه ، فأخذ ما قدر على حمله ، وكان يقول : « هذا خير ممّا أخذ منّي ، وأنا أرجو المغفرة » (٤) .
﴿وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ﴾ بأن عزموا على الثّبات على الكفر ، وعدم الوفاء بما ضمنوا من الفداء ، أو بما عاهدتهم (٥) عليه من عدم العود إلى محاربتك ، وإلى معاهدة المشركين ، فليس بدعا منهم ﴿فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ﴾ بما أقدموا عليه من محاربتك يوم بدر ﴿فَأَمْكَنَ﴾ الله المؤمنين ﴿مِنْهُمْ﴾ قتلا وأسرا. وفيه بشارة للرّسول صلىاللهعليهوآله بتمكينه من كلّ من يخونه وينقض عهده. وعن القمّي رحمهالله : ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ﴾ في عليّ ، فقد خانوا الله من قبل فيك (٦)﴿وَاللهُ عَلِيمٌ﴾ بضمائرهم من إبطان الخلوص والصّدق ، والخيانة والغدر ﴿حَكِيمٌ﴾ في فعاله ، يراعي ما هو صلاح مملكته ، ويجازيهم على حسب استحقاقهم.
وفي رواية عاميّة : أنّ العبّاس كان قد أسلم قبل وقعة بدر ، ولكن لم يظهر إسلامه ، لأنّه كان له ديون متفرّقة في قريش ، وكان يخشى إن أظهر الإسلام ضياعها ، وإنّما كلّفه النبيّ صلىاللهعليهوآله الفداء ، لأنّه كان عليه ظاهرا لا له ، ولمّا كان يوم فتح مكّة وقهرهم الإسلام أظهر إسلامه ، ولم يظهر النبيّ صلىاللهعليهوآله إسلامه رفقا
__________________
(١) في النسخة : بمأتي درهم.
(٢) قرب الإسناد : ٢١ / ٧٣ ، تفسير الصافي ٢ : ٣١٥.
(٣) تفسير روح البيان ٣ : ٣٧٦.
(٤) تفسير الرازي ١٥ : ٢٠٤.
(٥) في النسخة : عاهدتم.
(٦) تفسير القمي ١ : ٢٦٩ ، تفسير الصافي ٢ : ٣١٥.