لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ
مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٨) و (٧١)﴾
ثمّ عاتبهم الله على أخذ الفداء بقوله : ﴿لَوْ لا كِتابٌ﴾ وحكم وقضاء ﴿مِنَ اللهِ سَبَقَ﴾ بحلّ الغنائم ، أو بأن لا يعذّب من أذنب بجهالة ، أو بأن يمهل طالبي الدّنيا حتّى يقوم بهم الاسلام ﴿لَمَسَّكُمْ﴾ ولأصابكم ﴿فِيما أَخَذْتُمْ﴾ من الفداء وبسببه ﴿عَذابٌ عَظِيمٌ﴾
ثمّ روي أنّ الصّحابة لمّا عوتبوا على أخذ الفداء أمسكوا عن الغنائم (١) ، حتّى صرّح الله سبحانه بحلّها لهم بقوله : ﴿فَكُلُوا﴾ أيّها المؤمنون ﴿مِمَّا غَنِمْتُمْ﴾ واستفدتم من أمتعة الكفّار وأموالهم في الحرب ، حال كونه ﴿حَلالاً﴾ ومباحا لكم من الله و﴿طَيِّباً﴾ وغير مكروه لطباعكم ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ في مخالفة أحكامه ﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ﴾ لمن فرّط منكم في استباحة الفداء قبل إذنه ﴿رَحِيمٌ﴾ بكم بإحلاله الغنائم لكم ، مع أنّها كانت محرّمة على الامم الذين من قبلكم.
عن ابن عبّاس : كانت الغنائم حراما على الأنبياء ، فكانوا إذا أصابوا مغنما جعلوه للقربان ، فكانت تنزل النّار من السّماء فتأكله ، ولله عنايات بهذه الامّة لا تحصى (٢) .
ثمّ أنّه روي أنّه اسر العبّاس بن عبد المطّلب يوم بدر ، وكان أحد العشرة الذين ضمنوا إطعام من خرج من مكّة لحماية العير ، وكان قد خرج بعشرين اوقيّة من ذهب ليطعم بها الكفّار ، فوقع القتال قبل أن يطعم بها ، وبقيت العشرون اوقيّة معه ، فأخذت منه في الحرب ، فكلّم النبيّ صلىاللهعليهوآله في أن يحتسب العشرين أوقيّة من فدائه ، فأبى صلىاللهعليهوآله وقال : « إنّما هو شيء خرجت به لتستعين به علينا ، فلا أتركه لك » . فكلّفه أن يفدي نفسه بمائة اوقيّة زائدا على فداء غيره لقطع الرّحم ، وكلّفه أن يفتدي ابني أخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث ، كلّ واحد بأربعين أوقيّة ، فقال : يا محمّد ، تتركني أتكفّف قريشا ما بقيت !
فقال صلىاللهعليهوآله : « فأين [ الذهب ] الذي دفعته إلى امّ الفضل وقت خروجك من مكّة ، وقلت لها : إنّي لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا ، فإن حدث بي حدث فهو لك ولعبد الله والفضل وقثم ؟ » فقال العبّاس : وما يدريك ؟ قال : « أخبرني به ربّي » ، قال : أشهد أنّك صادق ، وأن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله ، والله لم يطّلع عليه أحد إلّا الله ، ولقد دفعته إليها في سواد اللّيل ، ولقد كنت مرتابا في أمرك ، وأمّا إذ أخبرتني بذلك فلا ريب (٣) .
__________________
(١) تفسير الرازي ١٥ : ٢٠٣.
(٢) تفسير روح البيان ٣ : ٣٧٤.
(٣) تفسير روح البيان ٣ : ٣٧٥.