يبكيان ، فقال : يا رسول الله ، أخبرني ، فإن أجد بكاء أبكي وإلّا تباكيت ، فقال : « أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء ، ولقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة » (١) .
وروي أنّه صلىاللهعليهوآله قال : « لا تخرجوا أحدا منهم إلّا بفداء ، أو بضرب عنق » ، فقال ابن مسعود : إلّا سهيل (٢) بن بيضاء ، فإنّي سمعته يذكر الإسلام ، فسكت رسول الله صلىاللهعليهوآله واشتدّ خوفي ، ثمّ قال من بعد : « إلّا سهيل بن بيضاء » (٣) .
وعن ابن سيرين : كان فداؤهم مائة اوقية (٤) .
ونقل : أنّ الأسرى منهم من فدي ، ومنهم من قتل ، ومنهم من خلّي سبيله من غير فداء ، ومنهم من مات (٥) .
ثمّ لا مهم سبحانه على أخذ الفداء بقوله : ﴿تُرِيدُونَ﴾ أيّها المؤمنون بأسرهم وأخذ الفداء منهم ﴿عَرَضَ الدُّنْيا﴾ وزخارفها التي تزول ولا تبقى ﴿وَاللهُ يُرِيدُ﴾ لكم ﴿الْآخِرَةَ﴾ وثوابها الذي يكون قليله خيرا من الدّنيا وما فيها ، فعليكم بطلب الآخرة ﴿وَاللهُ عَزِيزٌ﴾ وقادر يجمع لكم الدّنيا والآخرة ، ويغلّبكم على أعدائكم ﴿حَكِيمٌ﴾ بحكمته يدبّر مصالح عباده وأوليائه.
قيل : إنّ الله أمرنا بالإتخان ومنع عن الافتداء حين كانت الشّوكة للمشركين ، ولمّا تحوّلت الحال وصارت الغلبة للمسلمين ، خيّر بين المنّ والفداء (٦) .
في الردّ على القول بعمل الأنبياء باجتهاد
قال بعض العامّة : الآية دالّة على أنّ الأنبياء مجتهدون ، لأنّ اللّوم لا يكون على ما صدر عن الوحي ، ولا على فعل ما هو صواب ، بل يكون على ما كان خطأ (٧) .
وفيه : أنّه بعد ما ثبت عصمة النبيّ بالأدلّة العقليّة والنقليّة عن الخطأ لا يمكن نسبته إليه ، فلا بدّ من القول بأنّه صلىاللهعليهوآله كان عالما بخطأ الصّحابة في الإصرار بأخذ الفداء ، ولكنّه صلىاللهعليهوآله لمّا كان رحمة للعالمين كان مأمورا بموافقتهم وعدم تخطئتهم ، كي تنزل آية فيها تخطئتهم والعتاب عليهم ، ويظهر للمسلمين أنّ أبا بكر وأضرابه كانوا طالبين للدّنيا دون الآخرة.
﴿لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ
حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ
مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ
__________________
(١) تفسير الرازي ١٥ : ١٩٧ ، تفسير روح البيان ٣ : ٣٧٢.
(٢) في النسخة : إسماعيل ، وكذا ما بعدها.
(٣ و٤) . تفسير الرازي ١٥ : ١٩٨.
( ٥و٧ ) . تفسير روح البيان ٣ : ٣٧٣.