« من فرّ من رجلين في القتال من الزّحف فقد فرّ من الزّحف ، ومن فرّ من ثلاثة رجال [ في القتال من الزّحف ] فلم يفرّ » (١) .
وعن الصادق عليهالسلام ، في حديث ذكر فيه هذه الآية فقال : « نسّخ الرّجلان العشرة » (٢) .
قيل : كان فيهم قلّة أوّلا ، فأمروا بذلك ، ثمّ لمّا كثروا خفّف الله عنهم.
أقول : يشمّ ذلك من الآيتين ، حيث ذكر في الآية الاولى غلبة العشرين على مائتين ، ومائة على ألف ، وفي الثّانية غلبة مائة على مائتين ، وألف على ألفين.
﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا
وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان حكم الجهاد ، والأمر بالمسالمة إذا طلبها الكفّار ، بيّن حكم الأسارى والغنائم بقوله : ﴿ما كانَ لِنَبِيٍ﴾ من الأنبياء ، وما صحّ له ﴿أَنْ يَكُونَ﴾ ويثبت ﴿لَهُ أَسْرى﴾ وسبايا ﴿حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ ويكثر القتل ويبالغ فيه ، حتّى يذلّ الكفر ويقلّ حزبه ويعزّ الإسلام.
روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أتي يوم بدر بسبعين أسيرا فيهم العبّاس بن عبد المطّلب وعقيل بن أبي طالب ، فاستشار فيهم ، فقال أبو بكر : [ هم ] قومك وأهلك ، استبقهم لعلّ الله يهديهم إلى الإسلام ، وخذ منهم فدية تقوّي بها أصحابك. وقال عمر : كذّبوك ، وأخرجوك من ديارك ، وقاتلوك ، فاضرب أعناقهم ، فإنّهم أئمّة الكفر ، مكّنّي من فلان ؛ نسيب لي ، و[ مكّن ] عليا من عقيل ، وحمزة من العبّاس ، فلنضرب أعناقهم فلم يهو ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : « إنّ الله ليليّن قلوب رجال حتّى تكون ألين من اللّبن ، وإنّ الله ليشدّد قلوب رجال حتّى تكون أشدّ من الحجارة ، وإنّ مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال: ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(٣) ، ومثلك يا عمر مثل نوح قال : ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً﴾(٤) .
فخيّر أصحابه بأن قال لهم : « إن شئتم قتلتموهم ، وإن شئتم أطلقتموهم ، بأن تأخذوا من كلّ أسير عشرين اوقية - والاوقية أربعون درهما في الدّراهم ، وستّة دنانير في الدّنانير - على (٥) أن يستشهد منكم بعدّتهم » ، فقالوا : بل نأخذ الفداء ويدخل منّا الجنّة سبعون ، فاستشهدوا يوم أحد بسبب قولهم هذا وأخذهم الفداء ، فنزلت الآية في فداء اسارى بدر ، فدخل عمر على رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو وأبو بكر
__________________
(١) تفسير العياشي ٢ : ٢٠٧ / ١٧٥٨ ، تفسير الصافي ٢ : ٣١٣.
(٢) الكافي ٥ : ٦٩ / ١ ، تفسير الصافي ٢ : ٣١٣.
(٣) إبراهيم : ١٤ / ٣٦.
(٤) نوح : ٧١ / ٢٦.
(٥) في تفسير روح البيان : إلّا.