وقيل : إذا كانوا يقاتلون لهذه (١) الأغراض الفاسدة يشحّون على أنفسهم وحياتهم ، ولا يعرّضونها للزّوال ؛ ولذا أمر المسلمون بالثّبات في مقابل عشر أمثالهم منهم.
﴿الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا
مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ
الصَّابِرِينَ (٦٦)﴾
ثمّ لمّا شقّ التّكليف على المسلمين حتّى ضجّ المهاجرون - كما عن ابن عبّاس - وقالوا : يا ربّ ، نحن جياع وأعداؤنا شباع ، ونحن في غربة وأعداؤنا في أهليهم ، ونحن قد اخرجنا من ديارنا وأموالنا وأولادنا وأعداؤنا ليسوا كذلك. وقال الأنصار : شغلنا بعدوّنا ، وواسينا إخواننا ، فنزل التّخفيف (٢) بقوله : ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ﴾ برفع التّكليف السّابق ﴿وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً﴾ عن المقاومة في قبال عشر أمثالكم بأن يقاتل الواحد عشرا ، والعشرة مائة ، والمائة ألفا ﴿فَإِنْ يَكُنْ﴾ من بعد ﴿مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ﴾ على مشاقّ الحرب ، ثابتة الأقدام في معركة النّزال ﴿يَغْلِبُوا﴾ ويقهروا ﴿مِائَتَيْنِ﴾ من الكفّار ﴿وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ﴾ في ميدان القتال ﴿يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ﴾ من الكفّار ﴿بِإِذْنِ اللهِ﴾ وقدرته وتيسيره وتسهيله ﴿وَاللهُ﴾ بنصره وتأييده ﴿مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ في جهاد أعدائه.
روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله كان يبعث العشرة إلى وجه المائة ، وبعث حمزة رضى الله عنه في ثلاثين راكبا قبل بدر إلى قوم ، فلقيهم أبو جهل في ثلاثمائة راكب ، وأرادوا قتالهم فمنعهم حمزة ، وبعث رسول الله صلىاللهعليهوآله عبد الله بن أنيس إلى خالد بن صفوان الهذلي وكان في جماعة ، فابتدر عبد الله وقال : يا رسول الله ، صفه لي ، فقال : « إنّك إذا رأيته ذكرت الشّيطان ، ووجدت لذلك قشعريرة ، وقد بلغني أنّه جمع لي ، فاخرج إليه واقتله » ، قال : فخرجت نحوه ، فلمّا دنوت منه وجدت القشعريرة ، فقال لي : من الرّجل ؟ قلت له : من العرب ، سمعت بك وبجمعك. ومشيت معه حتّى إذا تمكّنت منه قتلته بالسّيف ، وأسرعت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وذكرت أنّي قتلته ، فأعطاني عصا وقال : « أمسكها ، فإنّها آية بيني وبينك يوم القيامة » (٣) .
ثمّ إنّ هذا التّكليف شقّ على المسلمين فأزاله الله بهذه الآية.
وقال ابن عبّاس : أيّما رجل فرّ من ثلاثة فلم يفرّ ، فإنّ فرّ من اثنين فقد فرّ (٤) . وعن أمير المؤمنين عليهالسلام :
__________________
(١) في النسخة : بهذه.
(٢) تفسير الرازي ١٥ : ١٩٤.
(٣) تفسير الرازي ١٥ : ١٩٤.
(٤) تفسير الرازي ١٥ : ١٩٤.