قيل : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله بعث إلى قوم أنفتهم شديدة ، وحميّتهم عظيمة ، حتّى لو لطم رجل من قبيلة لطمة ، قاتل عنه قبيلته حتى يدركوا ثأره ، ثمّ انقلبوا من تلك الحالة حتّى قاتل الرّجل [ أخاه و] أباه وابنه واتفقوا على طاعة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وصاروا أنصارا ، وعادوا أعوانا (١) .
﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ما وعد نبيّه صلىاللهعليهوآله بالنّصر عند خديعة الأعداء ، وعده بالنّصر في جميع الأوقات ، وعلى جميع الكفار بقوله : ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ﴾ وكافيك في دفع شرّ أعدائك ، ﴿وَ﴾ كافيك ﴿مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ وقيل : إنّ المعنى : أنّ الله كافيك وكافي أتباعك (٢) .
قيل : نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال تقوية للنبيّ صلىاللهعليهوآله وتسلية لأصحابه (٣) .
وقيل : لمّا أسلم عمر وبلغ بإسلامه عدد المؤمنين أربعين نزلت الآية (٤) .
وفي ( نهج الحقّ ) : روى الجمهور أنّها نزلت في عليّ عليهالسلام (٥) . وذكره (٦) صاحب ( كشف الغمّة ) عن كتاب عزّ الدين بن عبد الرزّاق المحدّث الحنبلي (٧) .
﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ
يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ
لا يَفْقَهُونَ (٦٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد تقوية قلب نبيّه صلىاللهعليهوآله أمره بتحريض المؤمنين على القتال بقوله : ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وحثّهم ﴿عَلَى الْقِتالِ﴾ مع أعداء الله ، وبالغ في ترغيبهم إليه بوعد الثّواب العظيم على فعله ، والعقاب الشّديد على القعود عنه ، وقل لهم : ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ﴾ أيّها المؤمنون ﴿عِشْرُونَ صابِرُونَ﴾ على المنازلة في معركة القتال ﴿يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ من الذين كفروا ﴿وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ﴾ صابرة ﴿يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وهذا الضّعف في الكفّار معلّل ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ﴾ ولا يدركون الحقّ ، ولا يعرفون الله ، ولا يعتقدون باليوم الآخر حتّى يقاتلوا تقرّبا (٨) إلى الله ، وتوكّلا (٩) عليه ، ورجاء للثّواب ، بل يقاتلون بهوى النّفس ، وبالأغراض الدّنيويّة ، ولذا يستحقّون الخزي والقتل ، ولا يستحقّون النّصر.
__________________
(١) تفسير الرازي ١٥ : ١٨٩.
(٢) تفسير الرازي ١٥ : ١٩١.
(٣ و٤) . تفسير روح البيان ٣ : ٣٦٨.
(٥) نهج الحق : ١٨٥.
(٦) في النسخة : وذكر.
(٧) كشف الغمة ١ : ٣١٢.
(٨) في النسخة : متقربا.
(٩) في النسخة : ومتوكلا.