تقدم على حربهم في حال كونهم على توهّم بقاء العهد ، كي لا يتوهّم في حقّك شائبة الخيانة ﴿إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ﴾ وفي هذا التذييل (١) دلالة على قبح الخيانة ومبغوضيّتها لله مطلقا ، سواء كانت في العهد أو غيره ، مع الرّسول أو مع غيره. القمّي : نزلت في معاوية لمّا خان أمير المؤمنين عليهالسلام (٢) .
﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد الأمر بتشديد النبيّ صلىاللهعليهوآله على النّاقضين للعهد ومعاملته معهم معاملة يعتبر بها غيرهم ، وقد فاته تعالى يوم بدر بعض من بلغ في أذيّة النبيّ صلىاللهعليهوآله ونقض عهده مبلغا عظيما ، سلّاه سبحانه ووعده بالظّفر بهم ، لئلّا يبقى في قلبه الشّريف حسرة ، بقوله : ﴿وَلا يَحْسَبَنَ﴾ ولا يتوهّم (٣)﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ونقضوا عهد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولم يظفر بهم أنّهم ﴿سَبَقُوا﴾ وأفلتوا من أن يعاقبوا ، فليعلموا ﴿إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ﴾ الله من أن يظهر بعد ، أو المراد : لا يجدون الله الذي هو طالبهم عاجزا من إدراكهم.
وقيل : إنّ المراد أنّهم لا يحسبوا بتخلّصهم من الأسر والقتل أنّهم يخلصون من عقاب الله وعذابه في الآخرة ، إنّهم لا يعجزون الله بهذا السّبق والتخلّص ، من الانتقام منهم في الآخرة.
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ
وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي
سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠)﴾
ثمّ أنه تعالى لمّا أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله بتشريد النّاقضين للعهد ، ونقض عهد من يخاف منه النّقض ، أمر المؤمنين بالإعداد لهؤلاء الكفّار والتهيؤ لقتالهم ، بقوله : ﴿وَأَعِدُّوا﴾ لقتال الكفّار وهيّئوا ﴿لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ وما بلغ وسعكم ﴿مِنْ قُوَّةٍ﴾ وعدّة ، كائنا ما كان من سلاح وقسيّ وترس وغيرها.
قيل : إنّه لمّا اتّفق لأصحاب (٤) النبيّ صلىاللهعليهوآله في قضية (٥) بدر أن قصدوا الكفّار بلا آلة ولا عدّة ، أمرهم الله أن لا يعودوا لمثله ، وأن يعدّوا [ للكفار ] ما يمكنهم من آلة وقوّة (٦) .
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قرأ هذه الآية على المنبر وقال « ألا أنّ القوّة الرّمي » ثلاثا (٧) . وقيل : هي الحصون (٨) .
__________________
(١) في النسخة : التذليل.
(٢) تفسير القمي ١ : ٢٧٩ ، تفسير الصافي ٢ : ٣١١.
(٣) في النسخة : ولا يتوهن.
(٤) في تفسير الرازي : أصحاب.
(٥) في تفسير الرازي : قصة.
(٦) تفسير الرازي : ١٥ / ١٨٥.
(٧) تفسير الرازي ١٥ : ١٨٥ ، تفسير أبي السعود ٤ : ٣٢.
(٨) تفسير الرازي ١٥ : ١٨٥.