الدَّوَابِ﴾ والحيوانات المتحرّكة (١) على وجه الأرض ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ وفي حكمه ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله ﴿فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ أبدا ، لخبث ذاتهم ، وشدّة عنادهم ولجاجهم ﴿الَّذِينَ عاهَدْتَ﴾ بعضا ﴿مِنْهُمْ﴾ مرّات ﴿ثُمَّ يَنْقُضُونَ﴾ ويخالفون ﴿عَهْدَهُمْ﴾ الذي أخذت منهم ﴿فِي كُلِّ مَرَّةٍ﴾ من مرّات المعاهدة ﴿وَهُمْ لا يَتَّقُونَ﴾ الله ، ولا يحترزون سيّئة الغدر ، ولا يبالون العار والنّار.
عن ابن عبّاس : هم يهود قريظة (٢) .
قيل : إنّهم عاهدوا رسول الله صلىاللهعليهوآله على أن لا يعينوا عليه عدوّا ، فنقضوا [ العهد ] وأعانوا أهل مكّة يوم بدر بالسّلاح ، ثمّ قالوا : نسينا وأخطأنا ، ثمّ عاهدهم عليه مرّة اخرى فنكثوا وأعانوا المشركين عليه يوم الخندق ، وذلك أنّهم لمّا رأوا غلبة المسلمين على المشركين يوم بدر قالوا : إنّه هو النبيّ الموعود ، بعثه [ الله ] في آخر الزّمان ، فلا جرم يتمّ أمره ، ولا يقدر أحد على محاربته ، ثم [ أنهم ] لمّا رأوا يوم احد ما وقع من نوع ضعف المسلمين شكّوا ، وقد كان احترق كبدهم بنار الحسد من ظهور دينه وقوّة أمره ، فركب كعب بن أسد سيّد بني قريظة مع أصحابه إلى مكّة ، وواثقوا المشركين على حرب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأدّى ذلك إلى غزوة الخندق (٣) .
وعن القمّي : هم أصحابه الذين فرّوا يوم احد (٤) .
﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِمَّا تَخافَنَّ
مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٧) و (٥٨)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذمّ الكفّار النّاقضين للعهد بأنّهم شرّهم ، أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بالتّغليظ والتشديد عليهم ، بقوله : ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ﴾ وتظفرنّ بهم ﴿فِي﴾ تضاعيف ﴿الْحَرْبِ﴾ والقتال ﴿فَشَرِّدْ بِهِمْ﴾ وفرّق بسبب قتلهم وتنكيلهم ﴿مَنْ﴾ يكون ﴿خَلْفَهُمْ﴾ ومن ورائهم من أعدائك ، وأوقع بالناقضين من النّكاية والقهر ما يضطرب به حال غيرهم من الكفّار ، ويخاف منك أمثالهم ، بحيث يذهب عنهم بالكليّة ما يخطر ببالهم من معاداتك ومحاربتك ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ ويتّعظون بما شاهدوا من معاملتك مع النّاقضين ، فيرتدعوا من نقض العهد ﴿وَإِمَّا تَخافَنَ﴾ وتعلمنّ بالأمارات ﴿مِنْ قَوْمٍ﴾ عاهدوك على أمر ﴿خِيانَةً﴾ ونقض عهد ﴿فَانْبِذْ﴾ واطرح ﴿إِلَيْهِمْ﴾ عهدهم ﴿عَلى سَواءٍ﴾ وبطريق الاقتصاد ، بأن تخبرهم إخبارا واضحا بأنّك ألغيت عهدهم ، وقطعت ما بينك وبينهم من الوصلة ، ولا
__________________
(١) في النسخة : المتحركين.
(٢) تفسير الرازي ١٥ : ١٨٢.
(٣) تفسير روح البيان ٣ : ٣٦٢.
(٤) تفسير القمي ١ : ٣٧٩ ، تفسير الصافي ٢ : ٣١١.