هؤلاء المشركين بالقتل والخزي ، بشركهم ومعارضتهم الرّسول ﴿إِنَّ اللهَ قَوِيٌ﴾ لا يعجزه شيء ﴿شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ على المشركين به ، المعارضين لرسله. وفيه تسلية النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وتهديد سائر الكفّار.
﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ
اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣)﴾
ثمّ نبّه سبحانه على علّة عدم ابتلاء العاصي قبل المعصية بالعذاب ، وعدم أخذه بالشّقاوة الذاتيّة التي تكون له في بطن امّه ، بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ التّعذيب بعد النّعمة ، والأخذ بعد الاسترسال ، معلّل ﴿بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ﴾ من دأبه ومقتضى حكمته أن يكون ﴿مُغَيِّراً﴾ ومبدّلا ﴿نِعْمَةً أَنْعَمَها﴾ وتفضّل بها ﴿عَلى قَوْمٍ﴾ من العقل والصحّة ، والرّاحة وسعة العيش ، وغيرها ﴿حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾ من الأحوال والأخلاق والأعمال التي كانوا عليها حين وجدان تلك النّعمة ، إلى أسوأها ، كما غيّرت قريش حالها (١) في صلة الرّحم وعدم التعرّض للآيات ، إلى قطع الرّحم والتّكذيب بالآيات ومعجزات الرّسول ، ﴿وَ﴾ نظائرها ﴿أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ﴾ لما يقولون ﴿عَلِيمٌ﴾ بما يفعلون في السّابق واللّاحق ، فيرتّب على كلّ منهما ما يليق به من إبقاء النّعمة عليه وتغييرها.
﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ
وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا
فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ
لايَتَّقُونَ (٥٤) و (٥٦)﴾
ثمّ أكّد سبحانه مشابهة دأب مشركي قريش بدأب كفّار الامم السّابقة بقوله : ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ﴾ الكفّار ﴿الَّذِينَ﴾ كانوا ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ كقوم نوح وعاد وثمود ، من حيث إنّهم ﴿كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ﴾ المنعم عليهم ، وجحدوها ﴿فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ﴾ كما أهلكنا عتاة قريش ﴿وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ ومن معه من القبط في البحر ﴿وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ﴾ على الله (٢) بتضييع حقوق نعمه ، وعلى أنفسهم بتعريضها للهلاك.
قيل : هذه الآية تفصيل للآية الأولى (٣) .
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان مساواة الكفّار في الظّلم ، بيّن أنّ شرّهم الناقضون للعهد ، بقوله : ﴿إِنَّ شَرَّ
__________________
(١) في النسخة : حالهم.
(٢) في النسخة : على أنّه.
(٣) تفسير الرازي ١٥ : ١٨١.