عن العيّاشي : عن السجّاد عليهالسلام : « لمّا عطش القوم يوم بدر ، انطلق عليّ عليهالسلام بالقربة يستسقي وهو على القليب (١) ، إذ جاءت ريح شديدة ثمّ مضت فلبث ما بدا له ، ثمّ جاءت ريح اخرى [ ثمّ مضت ، ثمّ جاءت اخرى ] كادت أن تشغله وهو على القليب ، ثمّ جلس حتّى مضت ، فلمّا رجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله أخبره بذلك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أمّا الرّيح الاولى ففيها جبرئيل مع ألف من الملائكة ، والثّانية فيها ميكائيل مع ألف من الملائكة ، والثّالثة فيها إسرافيل مع ألف من الملائكة ، وقد سلّموا عليك ، وهم مدد لنا ، وهم الذين رآهم إبليس فنكص على عقبيه يمشي القهقرى حين يقول : ﴿إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ﴾(٢) .
ثمّ قيل : إنّ قوما من الأوس والخزرج كانوا منافقين ، وأسلم قوم من قريش وكان في قلوبهم شكّ ، ولذا لم يهاجروا. ثمّ لمّا حثت (٣) قريش إلى حرب رسول الله صلىاللهعليهوآله قال اولئك : نخرج مع قومنا ، فإن كان محمّد في كثرة خرجنا إليه ، وإن كان في قلّة أقمنا في قومنا (٤) .
فحكى الله تعالى قولهم حين رأوا قلّة المسلمين بقوله : ﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ﴾ من الأوس والخزرج ﴿وَ﴾ يقول ﴿الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ الشكّ من قريش ، حين رأوا كثرة المشركين وقلّة المسلمين : ﴿غَرَّ هؤُلاءِ﴾ المسلمين ﴿دِينُهُمْ﴾ عن ابن عبّاس رضى الله عنه : معناه أنّه خرج بثلاثمائة وثلاثة عشر يقاتلون ألف رجل ، وما ذلك إلّا أنّهم اعتمدوا على دينهم (٥) .
وقيل : معناه أنّ هؤلاء يسعون في قتل أنفسهم رجاء أن يجعلوا أحياء بعد الموت ، ويثابون على هذا القتل (٦) .
وقيل : إنّهم قالوا : هؤلاء المؤمنون خرجوا مع قلّة عدهم لحرب قريش مع كثرتهم وشوكتهم ، ولا شكّ أنّ قريشا تغلبهم. فردّ الله عليهم بقوله : ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾ ويثق به ، ويسلّم إليه اموره ﴿فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ﴾ وغالب على أمره ، لا يخذل من توكّل عليه واستجار به ﴿حَكِيمٌ﴾ في فعاله ، يفعل ما فيه صلاح خلقه وإن كان خارقا للعادة.
وقد سبق عن القمّي : أنّ فتية من قريش أسلموا بمكّة. فاحتبسهم آباؤهم ، فخرجوا مع قريش إلى بدر وهم على الشكّ والارتياب والنّفاق ؛ منهم قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو قيس بن الفاكه ، والحارث بن ربيعة ، وعلي بن اميّة بن خلف ، والعاص بن المنبّه ، فلمّا نظروا إلى قلّة أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآله قالوا : مساكين هؤلاء غرّهم دينهم ، فيقتلون السّاعة. فأنزل الله [ على رسوله ] : ﴿إِذْ يَقُولُ
__________________
(١) القليب : البئر.
(٢) تفسير العياشي ٢ : ٢٠٣ / ١٧٥٠ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٠٨.
(٣) في النسخة : حث.
(٤ و٥) . تفسير الرازي ١٥ : ١٧٦.
(٦) تفسير الرازي ١٥ : ١٧٧.