ثمّ بيّن سبحانه أنّ من علل خذلان قريش إغواء الشّيطان لهم بقوله : ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ﴾ القبيحة من معاداة النبيّ صلىاللهعليهوآله وتحزّبهم لقتاله.
روي أنّ المشركين حين أرادوا المسير إلى بدر ، خافوا من بني بكر بن كنانة ؛ لأنّهم كانوا قتلوا منهم واحدا ، فلم يأمنوا أن يأتيهم القوم من ورائهم ، فتصوّر الشّيطان لهم بصورة سراقة بن مالك بن جعشم ؛ وهو من بني بكر بن كنانة ، و[ كان] من أشرافهم ، في جند من الشّياطين (١) ، ومعه راية (٢)﴿وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ﴾ ولا قاهر عليكم أحد ﴿مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ﴾ ودافع عنكم بني كنانة وغيرهم.
﴿فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ﴾ والفريقان ؛ فريق المسلمين ، وفريق المشركين ، ورأى إبليس نزول الملائكة : قيل : كانت (٣) يده في يد الحارث بن هشام (٤)﴿نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ﴾ ورجع القهقرى وأراد الفرار ، وقال له الحارث : أتخذلنا في هذه الحالة ؟ ! فأعرض عنه ﴿وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ﴾ ومعرض عنكم ﴿إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ﴾ من جنود الملائكة ، فقال الحارث : ما نرى إلّا جعاشيش (٥) أهل يثرب (٦) ، فدفع الشّيطان في صدر الحارث وانهزم وقال : ﴿إِنِّي أَخافُ اللهَ﴾ من أن يهلكني ﴿وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾
قال قتادة : صدق في قوله : ﴿إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ﴾ وكذب في قوله : ﴿إِنِّي أَخافُ اللهَ﴾
قيل : لمّا رأى الملائكة ينزلون من السّماء خاف أن الوقت الذي انظر إليه قد حضر (٧) .
قيل : إنّ قوله : ﴿وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ ليس من كلام إبليس ، وإنّما هو كلام الله (٨) .
قيل : لمّا رجعت قريش إلى مكّة قالت : هزم النّاس سراقة ، فبلغ ذلك سراقة فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتّى بلغتني هزيمتكم. فعند ذلك تبيّن للقوم أنّ ذلك الشّخص لم يكن سراقة ، بل كان شيطانا (٩) .
وعن الباقر عليهالسلام والصادق عليهالسلام ما يقرب منه ، إلى قوله : حتّى بلغتني هزيمتكم. وزاد : « فقالوا : إنّك أتيتنا يوم كذا ، فحلف لهم ، فلمّا أسلموا علموا أنّ ذلك كان شيطانا » (١٠) .
__________________
(١) في النسخة : الشيطان.
(٢) تفسير الرازي ١٥ : ١٧٤.
(٣) في النسخة : كان.
(٤) تفسير الرازي ١٥ : ١٧٤.
(٥) الجعاشيش : جمع جعشوش ، وهو الرجل القصير الذميم.
(٦) تفسير روح البيان ٣ : ٣٥٦.
(٧) تفسير الرازي ١٥ : ١٧٦.
(٨) تفسير الرازي ١٥ : ١٧٦.
(٩) تفسير الرازي ١٥ : ١٧٤.
(١٠) مجمع البيان ٤ : ٨٤٤ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٠٨.