قال ابن وهب : «سألت مالكاً عن مصحف عثمان ، فقال : ذهب»(١). ويروي الشاطبي عن مالك أنّه قال : «إنّ مصحف عثمان تغيّب فلم نجد له خبراً بين الأشياخ»(٢).
وفي كلامه هذا : إنّه حاول العثور عليه فلم يستطع ، الأمر الذي يدلّ على انقطاع أثره من صفحة الوجود بالكلّية ، وإلاّ فلو كان له وجود لما كان يختفي عن مثل مالك(٣).
وعليه ، فإنّ هذه الموافقة قد تحتمل قراءة رفضت من جمهور القرّاء ، مثل قراءة (مليك) بدل (مالك) أو (ملك) ، على ما هو مذكور في كتب الشواذ ، وقد تكون صحيحة.
وهذا الشرط هو الآخر لم يكن موجوداً على عهد رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ولا على عهد الخليفتين الأوّل والثاني كما هو معلوم ، وإنّما هو أمر حادث في عهد الخليفة عثمان أو من بعده.
ثمّ إنّك قد عرفت بأنّ عثمان أراد أن تكون نسخه المرسلة إلى الأمصار مختلفة فيما بينها ، كي يحافظ على ما نزل به من عند الله وأقرّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) حسبما بُرّر ذلك لعثمان ، مؤكّدين في كلامهم أنّ على المسلم المحافظة على الرسم العثماني وإن لم يتّفق مع قواعد الكتابة والهجاء ، وجاء فيه أشياء
__________________
(١) البرهان في علوم القرآن ١/٢٢٢.
(٢) وفاء الوفا ٢/٦٦٩ / باب بعث المصاحف إلى المساجد.
(٣) انظر : التمهيد في علوم القرآن ٢/١٣٣.