لكنّ الباقلاّني (ت ٤٠٣ هـ) في كتابه الانتصار لم يرض ذلك ، فقال : «ظنّ بعض المشتغلين بعلم الكلام : أنّه يسوغ إعمال الرأي والاجتهاد في إثبات قراءة ، وأوجه ، وأحرف ، إذا كانت تلك الأوجه صواباً في العربية ، وممّا يسوغ التكلّم بها ، ولم تقم حجّة بأنّ النبيّ(صلى الله عليه وسلم) قرأ تلك المواضع ... وأبى ذلك أهل الحقّ وأنكروه وخطّأوا من قال بذلك وصار إليه»(١).
وبهذا فقد عرفت بأنّ الذي عليه الأئمّة من علماء الأمّة في القراءة والعربية : أنّ القراءات لا يجوز فيها القياس. قال أبو علي الفارسي (ت ٣٧٧ هـ) : «ليس كلّ ما جاز في قياس العربية تسوغ التلاوة به ، حتّى ينضم إلى ذلك الأثر المستفيض بقراءة السلف له وأخذهم به ، لأنّ القراءة سنّة متبعة»(٢).
فعلماء القراءات من خلال هذه الأقوال أرادوا تأكيد أنّ التواتر هو الأصل الأصيل في القراءات لا موافقة العربيّة والرسم العثماني ، وهو الصحيح الذي لا غبار عليه.
أمّا الركن الثاني ، أعني الموافقة مع رسم خط المصحف العثماني ، فأيّهما المقصود؟ هل موافقة مصحف عثمان المختصّ به ، أو موافقة مصحف المدينة المودع في مسجدها ، أو موافقة أحد المصاحف الستّة العثمانيّة المرسلة إلى الأمصار على ما فيها من اختلاف؟
فمصحف عثمان الأم الذي كان يقرأ فيه لم يكن في معرض نظر عامّة الناس حتّى يُعتمد ، ولم يثبت كلّ ما قالوه عنه ، بل ترى الاختلاف واضحاً في
__________________
(١) الانتصار ١/٦٩ ، تمهيد ، وانظر الاتقان ١/٢١٠ / القول ١٠٥٨.
(٢) الحجة في علل القراءات السبع ١/٥ ، وينظر : البحر المحيط ١/٣٠.