مقسم العطّار البغدادي (ت ٣٥٤ هـ) ، الذي عرف عنه أنّه من أحفظ أهل زمانه لنحو الكوفيّين ، وأعرفهم بالقراءات ، مشهورها وغريبها وشاذّها ، وذكر ابن النديم له عدداً غير قليل من الكتب ، نصّ على ثلاثة عشر منها ياقوت في معجمه ، أغلبها في علوم القرآن وتفسيره.
إذن لا يمكن أن ننكر بأنّ بعض تأويلات واستدلالات هؤلاء من أهل العربية قد أثّر على القرّاء ، وقد يكون هذا هو مقصود قول الإمام الصادق عليهالسلام حينما قال : «أصحاب العربية يحرّفون الكلم عن مواضعه»(١) ، أو ما جاء على لسان الإمام الباقر عليهالسلام : «ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة»(٢).
إذن ، مقياس موافقة القراءة القرآنية للعربية والنحو كان متأخّراً ، ولا يمكن اعتماده أصلاً أساسيّاً ، وقد ذكرنا أمثلة على بقاء اللّحن في القراءة القرآنية في عهد الخلفاء الثلاثة ، وأنّ شرط الموافقة للعربية كان ممّا وضعه الداني ، ثمّ أضاف ابن الجزري على شرط موافقة القراءة للعربيّة عبارة : (ولو بوجه) ، وذلك تحسّباً لما سلكه النحاة واستنبطوه من قواعد شطّت كثيراً عن الجادةً ، ومُلئت تأويلاً وتمحُّلاً ، فجاءت الأوجه الإعرابيّة المختلفة لموقع المفردة في الجملة ، وقد بيّن ابن الجزري هذا بقوله : وقلنا في الضابط ـ ولو بوجه ـ نريد به وجهاً من وجوه النحو سواء كان أفصح أم فصيحاً ، مجمعاً عليه أم مختلفاً فيه اختلافاً لا يضرّ مثله ، إذا كانت القراءة ممّا شاع وذاع ، وتلقّاه الأئمّة بالإسناد الصحيح ، إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوم.
__________________
(١) مستدرك الوسائل ٤/٢٨٠ / ح ٤٧٠١.
(٢) الكافي ٢/٦٣٠ / ح ١٢.