فقال لي : ذهب.
فلو كان الشاذّ منهيّاً عنه ، فلماذا يؤلَّف فيه بدءاً بابن جنّي في المحتسب إلى آخرين جاؤوا من بعده وما يعني ذلك؟ وهل الشاذّ يعني تخطّي القراءات السبعة أم القراءة بما يخالف المتواتر؟
ولم لا يرضى ابن جنّي إخراج بعض القراءات من القرآن ويرجو بتأليفه المحتسب الحسبة والمثوبة والقربى لله كما يدلّ عليه اسم الكتاب ، ألاّ يدافع ابن جني بعمله هذا عما سُمّي شاذّاً ويقول عنه بأنّه :
«محفوف بالروايات من أمامه وورائه ، ولعلّه أو كثيراً منه مساو في الفصاحة للمجتمع عليه.
نعم وربّما كان فيه ما تلطف صنعته ، وتعنُف بغيره فصاحته ، وتمطوه قوي أسبابه ، وترسو به قدم إعرابه ، ولذلك قرأ بكثير منه من جاذب ابن مجاهد عنان القول فيه ، وما كنه عليه ، ورادَّه إليه ، كأبي الحسن أحمد بن محمّد بن شنبوذ ، وأبي بكر محمّد بن الحسن بن مِقسم ، وغيرهما ممّن أدّى إلى رواية استقواها ، وأنحى على صناعة من الإعراب رضيها واستعلاها.
ولسنا نقول ذلك فسحاً بخلاف القرّاء المجتمع في أهل الأمصار على قراءاتهم ، أو تسويغاً للعدول عمّا أقرّته الثقات عنهم ، لكنّ غرضنا منه أن نُري وجه قوّة ما يُسمّى الآن شاذاً ، وأنّه ضارب في صحّة الرواية بجِرانه ، آخذ من سمت العربية مهلة ميدانه ، لئلا يُري مُري(١) أنّ العدول عنه إنّما هو
__________________
(١) أي لئلا يظن ظان.