لأنّهم أخذوا القرآن مِن فِي رسول الله(صلى الله عليه وآله) مباشرة ، ولا يجوز لهم التفريط بذلك ، ومعناه أنّهم لا يجيزون اعتماد المصحف العثماني ، لأنّ الكلّ يعلم بأنّ قراءة ابن مسعود وأُبيّ بن كعب وعليّ بن أبي طالب عليهالسلام وغيرهم كانت رائجة في القرون الأربعة الأولى ـ أي بعد انتشار مصحف عثمان ـ وأنّ مصاحف هؤلاء كانت موجودة ومتداولة بين أيدي الناس ، رغم سعي الخلفاء إلى حصر الأمّة بالأخذ بمصحف عثمان دون غيره ، وإليك بعض النصوص الدالة على ذلك :
جاء في تاريخ الإسلام للذهبي : «بأنّ بعض الهاشميّين(١) قصدوا الشيخ المفيد (ت ٤١٣ هـ) شيخ الشيعة ، وتعرّض به تعرّضاً امتعض منه تلامذته ، فثاروا واستنفروا أهل الكرخ وصاروا إلى دار القاضي أبي محمّد الأكفاني والشيخ أبي حامد الإسفراييني فسبّوهما ... وأحضر مصحف ذكروا أنّه مصحف ابن مسعود وهو يخالف المصاحف ، فجمع له القضاة والكبار ، فأشار أبو حامد [الإسفراييني] والفقهاء بتحريفه ، ففُعل ذلك بمحضرهم ، وبعد أيّام كتب إلى الخليفة بأنّ رجلاً حضر المشهد(٢) ليلة نصف شعبان ودعا على من أحرق المصحف وشتمه ، فتقدّم بطلبه فأُخذ ، فرُسم بقتله ، فتكلّم أهل الكرخ في أمر هذا المقتول لأنّه من الشيعة ، ووقع القتال بينهم وبين أهل البصرة وباب الشعير ونهر القلاّئين ، وقصد أهل الكرخ دار أبي حامد
__________________
(١) أي : العباسيّين.
(٢) والمقصود من المشهد هو مشهد الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهالسلام قريب بغداد.