أمره بإثباتها منهما كانت اختياره ، إمّا لكثرة القارئين بها من الصحابة ، وإمّا لشيء صحّ عنده عن النبيّ(صلى الله عليه وسلم) أو أمر شاهده من علّية الصحابة.
فلو كان جمع القراءات وإثبات الروايات والوجوه واللغات في مصحف واحد جائزاً ، لأمر ابن عبّاس سعيداً بإثباتهما معاً في مصحفه بنقطة يجعلها فوق الحرف الّذي بعد العين وضمّة أمام الدّال ، دون ألف مرسومة بينهما ، إذ قد تسقط من الرسم في نحو ذلك كثيراً لخفّتها ، وتترك النقطة التي فوق ذلك الحرف ، والفتحة التي على الدال ، فتجتمع بذلك القراءتان في الكلمة المتقدّمة ، ولم يأمره بتغيير إحداهما ومحوها ، وإثبات الثانية خاصّة. فبان بذلك صحّة ما قلناه وما ذهب إليه العلماء من كراهة ذلك ، لأجل التخليط على القارئين والتغيير للمرسوم»(١).
قلت : الأمر لم يكن كما قاله الداني ، بل إنّ ابن عبّاس كان يريد البتّ بإحدى القراءتين ، وأنّه (عباد الرحمن) لا غير ، وعلى سعيد بن جبير أن يمحو (عند الرحمن) ، فلو صحّ هذا فلماذا لا يأمر ابن عبّاس بتفريق اختياراته الأخرى على المصاحف الأخرى كما فعله عثمان.
إذن ، عدم تنقيط المصاحف هو عامل مهمّ لتعميق الاختلاف وتشديده ، لا أنّه عامل لتوحيد الأمّة كما يقولون ، إذ على الصحابي أن يبتّ ويقطع بالأمر لا أن يتركهم يقرؤون حيثما شاؤوا ما لم تُصيَّر آية رحمة آية عذاب. قال القيسي (٤٣٧ هـ) في الإبانة عن معاني القراءات :
__________________
(١) المحكم في نقط المصاحف : ٢١.