«ثمّ إنّ الصحابة لما كتبوا تلك المصاحف جرّدوها من النقط والشكل ، ليحتمله ما لم يكن في العرضة الأخيرة ممّا صحّ عن النبيّ(صلى الله عليه وسلم) وإنّما خلوا المصاحف من النقط والشكل لتكون دلالة الخطّ الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوّين شبيهة بدلالة اللّفظ الواحد على كلا المعنيين المعقولين المفهومين»(١).
وعليه فإنّ دعوى تفريق عثمان اختلاف رسم الخطّ الموجود قبل عهده على المصاحف المرسلة ، ودعوى إجماع الصحابة وأكابرهم على عدم تنقيط المصاحف ، وأمثال ذلك ، يردّها ما حكّاه الداني عن ابن عبّاس من أنّه كان يرى لزوم البتّ في القراءة القرآنية وعدم جواز المصالحة والمداهنة على ذلك.
روى الداني عن خلف بن إبراهيم بن محمّد قال : «نا أحمد بن محمّد ، قال : نا عليّ بن عبد العزيز ، قال : نا القاسم بن سلاّم ، قال : نا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس أنّه قرأ : (عبادُ الرحمن) ، قال سعيد : قلت لابن عبّاس : إنّ في مصحفي : (عند الرحمن) ، فقال : امحها واكتبها (عباد الرحمن).
ألا ترى ابن عبّاس رحمهالله قد أمر سعيد بن جبير بمحو إحدى القراءتين وإثبات الثانية ، مع علمه بصحّة القراءتين في ذلك وأنّهما منزلتان من عند الله تعالى ، وأنّ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قرأ بهما جميعاً وأقرأ بهما أصحابه ، غير أنّ الّتي
__________________
(١) النشر ١/٣٣.