عدم تنقيط عثمان المصاحف لمصلحة!
يضاف إلى ما قالوه شيءٌ آخر ، وهو أنّ المصحف العثماني لم يكن منقوطاً ، وذلك ما مكّن أن يُقرأ بكلّ ما يمكن من وجوه القراءات فيها ، لأنّ تجريد المصحف من النقط يجعله يحتمل قراءة الكلمة بوجهين (بشراً) (نشراً) ، و (ما ننزّل) أو (ما تَنَزَّل) أو (ما تُنَزَّل) ، أو (تركنا عليه) أو (بركنا عليه) ، وأمثال ذلك ، بيد أنّ المؤرّخين يختلفون ، فمنهم مَن يرى أنّ الإعجام (التنقيط) كان معروفاً قبل الإسلام(١) ولكن تركوه عمداً في كتابة المصاحف للمعنى السابق ، ومنهم مَن يرى أنّ التنقيط لم يعرف إلاّ في العصور المتأخّرة وقد وضع على يد أبي الأسود الدؤلي ، وهذا الذي قالوه من عدم تنقيط المصاحف يعمّق الخلاف بين المسلمين ولا يوحّدهم ، فاقرأ تبرير الداني ودعواه بأنّ الصحابة وأكابر التابعين أجمعوا على ترك تنقيط المصاحف ثمّ جدّوا لتنقيطه ، قال بذلك تعليقاً على قول قتادة (بدؤوا فنقّطوا ثمّ خمّسوا ثمّ عشّروا) :
«... وإنّما أخلى الصّدر منهم المصاحف من ذلك ومن الشكل ، من حيث أرادوا الدلالة على بقاء السعة في اللّغات ، والفسحة في القراءات الّتي أذن الله تعالى لعباده في الأخذ بها ، والقراءة بما شاءت منها ، فكان الأمر على ذلك إلى أن حدث في الناس ما أوجب نَقْطها وشَكْلها»(٢).
وردّد ابن الجزري (ت ٨٣٣ هـ) نفس المعنى حين قال :
__________________
(١) انظر : رسم المصحف لغانم قدّوري : ٤٦٨.
(٢) المحكم في نقط المصاحف : ٣.