كما وقفت قبل قليل على وصيّة ابن مسعود لأصحابه لمّا أراد الخروج من الكوفة بأمر عثمان في عدم التنازع في القرآن وقوله : «فإنّه لا يختلف ولا يتلاشى ولا يتغيّر لكثرة الرد» ، وتأكيده عليهم : «أن لا يدعوا قراءته رغبةً عنها ، ومن قرأ على شيء من تلك الحروف فلا يدعنّه رغبةً عنه ، فإنّه من جحد بآية جحد به كلّه» ، فابن مسعود قال بهذا الكلام وقبله كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام قد قال قولته : «لا يهاج القرآن بعد يومنا هذا» ، حفاظاً على وحدة الكلمة في القرآن الكريم.
قال الزرقاني في مناهل العرفان :
«ثمّ جاء عليّ رضياللهعنه فلاحظ العجمة تحيف على اللّغة العربية ، وسمع ما أوجس منه خيفةً على لسان العرب ، فأمر أبا الأسود الدؤلي أن يضع بعض قواعد لحماية لغة القرآن من هذا العبث والخلل ، وخطّ له الخطط وشرع له المنهج ؛ وبذلك يمكننا أن نعتبر أنّ عليّاً رضياللهعنه قد وضع الأساس لما نسمّيه علم النحو ، ويتّبعه علم إعراب القرآن»(١).
عرفنا إذن أنّ الإمام علياً رضياللهعنه وأبا الأسود الدؤلي كان لهما الدور الأهم في الحفاظ على القرآن الكريم ورفع العجمة عنه ، إذ بتنقيط الإعراب قد ربط الإمام بين القرآن المتلوّ والمصحف المكتوب ، كما عرفنا بأنّ واضع قواعد النحو هو أبو الأسود الدؤلي بأمر الإمام علي عليهالسلام ، لا أنّه واضعه بطلب زياد بن أبيه ، كما يدّعيه الآخرون.
__________________
(١) مناهل العرفان ١/٢٣.