كما أشار ابن أبي داوود السجستاني إلى اختلاف خطوط المصاحف(١).
إذن ، اختلاف القراءات ، واختلاف الرسم القرآني ، والحفاظ على وجود اللّحن في القرآن ، كلّها ممّا كان يعرفها عثمان قبل تعميم نسخ (المصحف الإمام) إلى الأمصار ، فهو لم يرفع الاختلاف ، بل حافظ عليه وفرّقه بين النسخ المرسلة إلى الأمصار ، فجاءت في بعضها مثبّتة وفي بعضها الآخر محذوفة ، مع تركه تصحيح أمر اللّحن إلى العرب كي تقوّمه ، وهذا فيه ما فيه ، فعلى أيّ شيء يمكن حمل عمل عثمان هذا مع وقوفه على الصحيح منه؟ أليس في هذا تحكيم للخلاف وتوسيع دائرته لجميع العرب وفي جميع الأزمان؟
فالصحابة الأجلاّء ـ وعلى رأسهم أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ـ لم يتركوا عثمان على حاله ، بل سعوا بأقوالهم وأفعالهم أن يصحّحوا مساره صوناً للكتاب العزيز ، وقد اعترف الآلوسي بأنّ وجود أمثال الإمام علي عليهالسلام هو الّذي أبعد القرآن عن التحريف وسقوط شيء منه ، فقال :
«... وبعد انتشار هذه المصاحف بين هذه الأمّة المحفوظة ، لاسيّما الصدر الأوّل الذي حوى من الأكابر ما حوى ، وتصدّر فيه للخلافة الراشدة عليّ المرتضى ، وهو باب العلم لكلّ عالم ، والأسد الأشدّ الّذي لا تأخذه في الله لومة لائم ، لا يبقى في ذهن مؤمن احتمال سقوط شيء بعد من القرآن ، وإلاّ لوقع الشكّ في كثير من ضروريّات هذا الدين الواضح البرهان»(٢).
__________________
(١) راجع : المصاحف ١/٤١٨ باب اختلاف خطوط المصاحف.
(٢) روح المعاني ١/٢٣.