يتخيل من مخالفة خطوطهم لأصول الرسم ليس كما يتخيل بل لكلّها وجه ، ويقولون في مثل زيادة الألف في (لاأذبحنه) : أنّه تنبيه على أنّ الذبح لم يقع ، وفي زيادة الياء في (باييد) أنّه تنبيه على كمال القدرة الربانية ، وأمثال ذلك ممّا لا أصل له إلاّ التحكّم المحض ، وما حملهم على ذلك إلاّ اعتقادهم أنّ في ذلك تنزيهاً للصحابة عن توهّم النقص في قلّة إجادة الخطّ ، وحسبوا أنّ الخطّ كمال فنزّهوهم عن نقصه ، ونسبوا إليهم الكمال بإجادته ، وطلبوا تعليل ما خالف الإجادة من رسمه ، وذلك ليس بصحيح.
ثمّ يستمرّ ابن خلدون في بيان أنّ الخطّ ليس بكمال في حقّ الصحابة لأنّ الخطّ من جملة الصنائع المدنية المعاشية ، والكمال في الصنائع إضافي ، وليس بكمال مطلق ، إذ لا يعود على الذات في الدين ولا في الخلال ، وإنّما يعود إلى أسباب المعاش ، وبحسب العمران والتعاون عليه ، لأجل دلالته على ما في النفوس»(١).
إذن خطأ الكتّاب في الرسم والقراءة لا يمكن إنكاره ، وهو يبيّن بأنّ الرسم القرآني لم يكن كألواح موسى منزلةً من قبل الله تعالى ، وأنّ التأكيد على توقيفيّة الرسم عند القوم لم يكن حبّاً بكلام الله والحفاظ على قدسيّته أو احتراماً لإقرار رسول الله(صلى الله عليه وآله) لرسم الخط ، لأنّهم أحرقوه بدعوى الحفاظ على المصلحة العامّة للمسلمين ، بل إنّ تأكيدهم على الرسم جاء لانتسابه إلى
__________________
(١) انظر مقدمة ابن خلدون ١/٤١٩. وقد قام الأستاذ محمّد حسن أبو الفتوح بجمع آراء ابن خلدون في رسم المصحف في كتاب أسماه (ابن خلدون ورسم المصحف) ، فليُراجَع.