وعزوه إلى الخطأ من قبل الكتّاب ، فإنّ وجود هذا الخطأ عندهم يؤكّد عدم عصمتهم ، وأنّهم كانوا قد نشؤوا في أمّة أمّية لا تعرف الكتابة والقراءة حسب تعبير رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ولو ثبت هذا الكلام ـ وهو الثابت ـ فلا يمكن أن نجعل كتابتهم المخالفة لقواعد الإملاء والنحو رسماً توقيفيّاً مُنزلا من قبل الله بحيث لا يجوز للمسلم مخالفته.
فمخالفة الكتاب كان لا يستسيغها الفرّاء (ت ٢٠٧ هـ) ، إذ قال : «اتّباع المصحف إذا وجدت له وجهاً من كلام العرب وقراءة القرّاء أحبّ إليّ من خلافه»(١) ، لكنّه مع ذلك تحدّث عن زيادة الألف بعد اللام في قوله تعالى : (لاأذبحنّه) وغيرها ، وأراد أن يعذرهم بقوله : «وذلك أنّهم لا يكادون يستمرّون في الكتاب على جهة واحدة ، ألا ترى أنّهم كتبوا (فَما تُغْنِ النُّذُر)(٢)بغير ياء ، (ومَا تُغْنِي الآياتُ والنُّذُر)(٣) بالياء ، وهو من سوء هجاء الأوّلين»(٤).
وكذلك صرّح ابن قتيبة (ت ٢٧٦ هـ) بأنّ ما جاء في رسم المصحف مخالفاً للمشهور ـ من قواعد الهجاء عند الكتّاب ـ قد جاء من باب الخطأ وليس يعني القرآن نفسه فقال :
«... ولو كان هذا عيباً يرجع على القرآن لرجع عليه كلّ خطأ وقع في
__________________
(١) معاني القرّاء ٢/٢٩٣.
(٢) سورة القمر : ٥٤.
(٣) سورة يونس : ١٠١.
(٤) رسم المصحف لغانم قدوري : ٢٧٠ ، معاني القرآن ٢/٢٩٣ ، وانظر ١/٤٣٩.