قال ابن الجزري : «ثمّ إنّ القرّاء بعد هؤلاء كثروا وتفرّقوا في البلاد وانتشروا وخلفهم أُممٌ بعد أُمم ، عُرفت طبقاتهم ، واختلفت صفاتهم ، فكان منهم المتقن للتلاوة المشهور بالرواية والدراية ، ومنهم المقتصر على وصف من هذه الأوصاف ، وكثر بينهم لذلك الاختلاف ، وقلّ الضبط ، واتّسع الخرق وكاد الباطل يلتبس بالحقّ ، فقام جهابذة علماء الأمّة وصناديد الأئمّة ، فبالغوا في الاجتهاد ، وبيّنوا الحقّ المراد ، وجمعوا الحروف والقراءات ، وعزوا الوجوه والروايات ، وميّزوا بين المشهور والشاذ ، والصحيح والفاذّ ، بأصول أصّلوها وأركان فصّلوها ...»(١).
بلى ، إنّ ابن مجاهد اختار سبع قراءات من عشرات موجودة آنذاك ، وقد اعترض عليه بعض معاصريه ومن جاء من بعده لترجيحه بعضها على البعض الآخر ، مشكّكاً في أن يكون ما يخالفها شاذّاً.
وقد عني العلماء في العصور المتأخّرة بالقراءات الشاذّة والمفردة عناية متباينة ، فمنهم من جمعها وحصرها ، ومنهم من اختار الغريب منها ، ومنهم من ضعّفها ورفضها ، ومنهم من أوجز القول في تخريجها وتعليلها ، ومنهم من أسهب في الكشف عن وجوهها واحتجّ لها.
وقد كُتبت كتبٌ في شواذّ القراءات ومعاني القرآن ، كما اهتمّ النحويّون واللّغويّون بالشاذّ ، فقد ذكر سيبويه في كتابه بعض القراءات الشاذّة وشرحها وأعربها ونبّه على الفرق بينها وبين قراءة الجماعة واحتجّ لها معتمداً في ذلك
__________________
(١) النشر في القراءات العشر ١/٩.