انظر إلى هذا الوصف الجميل عن تواتر النصّ وأصالته ، ترويه أمة عن أمة عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، لا فلان عن فلان!
وقال محمّد بن صالح (ت ١٦٨ هـ) : «سمعت رجلاً يقول لأبي عمرو ابن العلاء : كيف تقرأ : (لاّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ)؟ فقال : (لا يعذِّب) بالكسر. فقال له الرجل : كيف؟ وقد جاء عن النبيّ(صلى الله عليه وسلم) : (لا يعذَّب) ، بالفتح! فقال له أبو عمرو : لو سمعت الرجل الذي قال : سمعت النبيّ (صلى الله عليه وسلم) ما أخذت عنه ، أوَ تدري ما ذاك؟ لأنّي أتّهم الواحد الشاذّ إذا كان على خلاف ما جاءت به العامّة.
هذه الرواية كسابقتها في جعل ما جاءت به العامّة معياراً لمعرفة القراءة الصحيحة عن الشاذة»(١).
وعليه ، فقد يكون هذا الاختلاف هو من قبيل ما لخّصه الزركشي في البرهان ـ عن ابن قتيبة ـ وأنّه كان في إطار تغيير إعراب الكلمة في حركات بما يغيَّر معناها ولا يزيلها عن صورتها في الخطّ ، نحو : (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا)(٢) و (ربَّنا باعَدَ بينَ أسفارِنا) ، و (إذْ تَلَقَّونَه)(٣) بتشديد القاف ، و (تلقَونه) بالتخفيف ، و (ادَّكَرَ بَعْدَ أُمِّه)(٤) و (بعدَ أَمَة) بهمزة وميم مفتوحتين
__________________
(١) التمهيد لمحمّد هادي معرفة ٢/١٤٩ و ١٥٠ والخبرين في المرشد الوجيز : ١٣٧ ـ ١٣٨ ومناهل العرفان ١/٣١٢.
(٢) سورة سبأ : ١٩.
(٣) سورة النور : ١٥.
(٤) سورة يوسف : ٤٥.