محسن ، ولو أعلم أحداً أعلَم بما أنزل الله على رسوله منّي لطلبته حتّى أزداد علمه إلى علمي ، ولقد قرأت من لسان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) سبعين سورة ، وقد كنت علمت أنّه يعرض عليه القرآن في كلّ رمضان حتّى كان عام قبض فعُرض عليه مرّتين ، فكان إذا فرغ أقرأ عليه فيخبرني أنّي محسن ، فمن قرأ قراءتي فلا يدعنّها رغبةً عنها ، ومن قرأ على شيء من هذه الحروف فلا يدعنّه رغبة عنه ، فإنّه من جحد بآية جحد به كلّه»(١).
فانظر إلى حرص ابن مسعود على وحدة الكلمة في القرآن ، مع إيمانه بصحّة ما عنده من القراءة وخطأ ما عندهم ، وهكذا الأمر تراه عند الإمام علي عليهالسلام الذي قال : لا يهاج القرآن بعد هذا اليوم ، فقد قال ابن الجزري : «ولذلك اختلفت المصاحف عن بعض المصاحف ، إذ لو كانت العرضة الأخيرة فقط لم تختلف المصاحف بزيادة ونقص وغير ذلك وتركوا ما سوى ذلك ، ولذلك لم يختلف عليهم اثنان حتّى إنّ عليّ بن أبي طالب رضياللهعنه لمّا ولّي الخلافة بعد ذلك لم ينكر حرفاً ولا غيّره ، مع أنّه هو الراوي أنّ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يأمركم أن تقرؤوا القرآن كما عُلّمتم»(٢).
نعم ، إنّ إعطاء عثمان هذه الإجازة لعموم العرب هي الّتي جرّأت الحجّاج بأن يغيّر الرسم العثماني ، كما أنّه هو الذي أعطى للآخرين أن يغيّروا
__________________
(١) جامع البيان في تفسير القرآن ١/٢٧ ـ ٢٨ بتحقيق الشيخ خليل الميس ، طبعة دار الفكر.
(٢) النشر في القراءات العشر ١/٣٣.