عثمان لم يكن نَسخاً لنسخة حفصة ، بل أخذوا نسختها لمطابقتهما ، قال : «ولقد قال الطبري : إنّ الصحف التي كانت عند حفصة جعلت إماماً في هذا الجمع الأخير ، ويقول القرطبي : «هذا صحيح». ومعنى صحّته أنّه بعد الجمع الذي قام به زيد بأمر عثمان ، وعاونه المؤمنون الحافظون ، قد روجع على مصحف حفصة ، وكانت هي المقياس لصحّته ، فبالمقابلة بينهما بعد الجمع تبيّنت صحّتهما بصفة قاطعة لا ريب فيها. فكانت هذه الإمامة ، حتّى ظنّ أنّه نُسخ منها.
إلى أن قال : إنّ الإمام العظيم عثمان قد كتب المصحف خالياً من النّقط والشكل ، كما كان المصحف الموجود عند حفصة خالياً من النّقط والشكل ، ولم يكن نقّط وشكّل إلاّ بعد ذلك. ولكن لماذا خلا من ذلك؟
ثمّ أجاب أبو زهرة عن ذلك بالقول :
والجواب عن ذلك : إنّ القرآن له قراءات مختلفة هي سبع قراءات ، وليست هي الحروف كما ذكرنا من قبل ، ولكي يكون المكتوب محتملاً لهذه القراءات المرويّة بطرق متواترة كلّها ، كان لا بدّ أن يكون غير منقوط ولا مشكول ، كما ذكرنا في اختلاف القراءة في (أنفسكم) ، وكما ذكرنا في اختلاف القراءة في (فتبيّنوا) ، وما كان يمكن أن يَحتمل النصّ القراءتين إذا كان منقوطاً ومشكولاً.
ومن جهة أخرى : إنّ الأساس في تواتر القرآن هو الحفظ في الصدور لا في السطور ، حتّى لا يعتريه المحو والإثبات ، فلو كان القرآن منقوطاً ومشكولاً لاستغنى طالب القرآن عن أن يقرئه مقرئ ، فلا يكون التواتر