ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦)﴾
ثمّ ذكّر الله شدّه اهتمام المؤمنين من الأمم السّابقة في جهاد الكفّار ، ونصرة أنبيائهم ودينهم ، وتحمّلهم الشّدائد في ذلك ، تقريعا للمنهزمين في احد على تقصيرهم في الجهاد ونصرة الإسلام ، وسوء صنيعهم مع الرّسول صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿وَكَأَيِّنْ﴾ قال جمع من المفسرين : إنّ هذه الكلمة مستعملة في الكثير (١) ، فيكون المعنى : وكم ﴿مِنْ نَبِيٍ﴾ من الأنبياء في القرون السّابقة قاتل أعداء الدّين ، لترويج دينه ، وإعلاء كلمة الحق ، و﴿قاتَلَ مَعَهُ﴾ وجاهد الكفّار ، مصاحبا له ﴿رِبِّيُّونَ﴾ وعلماء اتقياء ﴿كَثِيرٌ﴾!
وقيل : إنّ المراد من ( الرّبّيّون ) الجموع الكثيرة (٢) .
وعن ( المجمع ) : عن الباقر عليهالسلام : « الرّبّيّون : عشرة آلاف (٣) » .
وعن الصادق عليهالسلام قال : « الوف والوف » (٤) .
﴿فَما وَهَنُوا﴾ في منازلة الأعداء ، وما فتروا في مقاتلة الكفّار ﴿لِما أَصابَهُمْ﴾ من البلايا والشّدائد ، ولكثرة ما نالهم من القتل والجرح ﴿فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ ولإعلاء كلمته ، وإعزاز دينه ، وطلب مرضاته ﴿وَما ضَعُفُوا﴾ في دينهم وعقائدهم ، وما تقاعدوا عن مقاتلة أعدائهم ﴿وَمَا اسْتَكانُوا﴾ وما خضعوا عندهم لطلب الصّلح والمداهنة.
فإذا كانت سيرة المؤمنين بسائر الأنبياء ، ودأب أتباعهم ذلك ، فلا ينبغي لكم الوهن في الجهاد ، والضّعف في الإيمان ، والفرار من الزّحف ، بل الارتداد عن الإسلام وأنتم أتباع خاتم النّبيّين.
وفيه تعريض عليهم بقولهم : لو كان محمّد نبيّا لما ورد عليه ما ورد. وباستكانتهم لعدوّهم حيث قالوا : ليت ابن أبيّ يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان.
وعن ( المجمع ) : عن الباقر عليهالسلام : « بيّن الله سبحانه أنّه لو كان قتل كما أرجف بذلك يوم احد لما أوجب ذلك أن يضعفوا أو يهنوا ، كما لم يهن من كان مع الأنبياء بقتلهم » (٥) .
أقول : هذا التّفسير مبنيّ على قراءة ( قتل معه ) (٦) كما هي مرويّة عن الصادق عليهالسلام (٧) .
ثمّ بشّر سبحانه أهل الثّبات في الجهاد ، بل مطلق الصّابرين على الطّاعات بقوله : ﴿وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ على ما أصابهم من البأساء والضّرّاء ، في سبيله ومرضاته ، والمحتبسين أنفسهم على طاعته. فعليه تعالى أن يكرمهم إكرام الأحبّاء ، ويجزيهم في الدّنيا والآخرة أحسن الجزاء.
__________________
(١) تفسير الرازي ٩ : ٢٦ ، تفسير أبي السعود ٢ : ٩٥ ، تفسير روح البيان ٢ : ١٠٦.
(٢ و٣) . مجمع البيان ٢ : ٨٥٤ ، تفسير الصافي ١ : ٣٦٠.
(٤) تفسير العياشي ١ : ٣٤٢ / ٧٩٣ ، تفسير الصافي ١ : ٣٦٠.
(٥) مجمع البيان ٢ : ٨٥٤ ، تفسير الصافي ١ : ٣٦٠.
(٦) في المصحف الشريف قاتَلَ مَعَهُ.
(٧) تفسير العياشي ١ : ٣٤٢ / ٧٩٣ ، تفسير الصافي ١ : ٣٦٠.