ثمّ أنّه تعالى - بعد تحقيق أنّ الحياة والموت دائران مدار إرادة الله ومشيئته ، وليس لغيره فيهما مدخل وصنع - بيّن أنّ ثواب الجهاد وسائر الأعمال دائر مدار نيّة العبد وإرادته ، بقوله : ﴿وَمَنْ يُرِدْ﴾ بجهاده وسائر عباداته ﴿ثَوابَ الدُّنْيا﴾ من الغنيمة وحسن الذّكر ﴿نُؤْتِهِ﴾ ونوفّه نصيبه ﴿مِنْها﴾ على حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
عن أبي هريرة : عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « أنّ الله تعالى يقول يوم القيامة لمقاتل في سبيل الله : في ما ذا قتلت ؟ فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك ، فقاتلت حتّى قتلت ، فيقول تعالى : كذبت ، بل أردت أن يقال : فلان محارب (١) ، ثمّ أنّ الله تعالى يأمر به إلى النّار » وفيه تعريض لمن شغلتهم الغنائم يوم احد عن الجهاد.
﴿وَمَنْ يُرِدْ﴾ ويطلب بجهاده ، أو بجميع أعماله الحسنة ﴿ثَوابَ الْآخِرَةِ﴾ من الجنّة ، والرّحمة المتّصلة ، والنّعم الدّائمة ﴿نُؤْتِهِ﴾ ونوفّه حظّا وافرا ﴿مِنْها﴾ على حسب أهليّته واستحقاقه ، وقابليّته للتّفضّل ، ومرتبة خلوصه في النيّة.
وفيه دلالة على أنّ الأعمال الخيريّة لا تخلو عن الأجر والثّواب إمّا الدّنيوي وإمّا الاخروي.
ثمّ أكدّ الله الوعد بقوله : ﴿وَسَنَجْزِي﴾ عن قريب جزاء جزيلا لا يسعه البيان ، ولا يحويه الكلام ﴿الشَّاكِرِينَ﴾ لنعمه ، من القوى والصّحّة ، وتوفيق الهداية إلى الإسلام ، والعلم بالمعارف والأحكام وغيرها ، بصرف ما آتاهم الله في مرضاته وطاعته ، لا يصرفهم عن ذلك صارف أبدا ، فيدخل فيهم المجاهدون والشّهداء.
في ذكر معجزة للنبيّ صلىاللهعليهوآله
عن ( المجمع ) : عن الباقر عليهالسلام : « أنّه أصاب عليّا صلىاللهعليهوآله يوم احد ستّون جراحة ، وأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أمر أمّ سليم وامّ عطية أن تداوياه فقالتا : إنّا لا نعالج منه مكانا إلّا انفتق منه مكان ، وقد خفنا عليه ، ودخل رسول الله صلىاللهعليهوآله والمسلمون يعودونه وهو قرحة واحدة ، فجعل يمسحه بيده ويقول : إنّ رجلا لقي هذا في الله ، فقد أبلى وأعذر ، فكان القرح الذي يمسحه رسول الله صلىاللهعليهوآله يلتئم ، فقال عليّ عليهالسلام : الحمد لله ، إذ لم أفرّ ، ولم أولّي الدّبر ، فشكر الله له ذلك في موضعين من القرآن ، وهو [ قوله : ﴿وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾(٢) من الرزق في الدّنيا ]﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾(٣) .
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما
__________________
(١) تفسير الرازي ٩ : ٢٥ ، تفسير روح البيان ٢ : ١٠٦.
(٢) آل عمران : ٣ / ١٤٤.
(٣) مجمع البيان ٢ : ٨٥٢ ، تفسير الصافي ١ : ٣٥٩.