والهداية لدين الله ، والتّوفيق لقبوله بالثّبات على الحقّ ، والقيام بوظائف العبودية ، والعمل بأحكام الإسلام. وفيه إشعار بأنّ الارتداد والخروج عن الإسلام كفران لنعم الله.
عن ( الاحتجاج ) ، في خطبة الغدير : « معاشر النّاس ، أنذركم أنّي رسول الله إليكم ، قد خلت من قبلي الرّسل ، أفإن متّ أو قتلت انقلبتم على أعقابكم ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾ ألا وإنّ عليّا هو الموصوف بالصّبر والشّكر ، ثمّ من بعده ولدي من صلبه»(١).
وعن ابن عبّاس رضى الله عنه : أنّ المراد الطائعون لله تعالى من المهاجرين والأنصار (٢) .
وروى الفخر الرازي في تفسيره : عن الطّبري ، عن عليّ عليهالسلام أنّه قال : « المراد بقوله : ﴿وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾ أبو بكر وأصحابه » (٣) .
وروي عنه صلوات الله عليه أيضا أنّه قال : « أبو بكر من الشّاكرين ، وهو من أحبّاء الله » (٤) . وفي الرّوايتين من الضّعف والوهن ما لا يخفى.
﴿وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ
مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥)﴾
ثمّ لمّا أرجف المنافقون بأنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله قد قتل ، ولو كان نبيّا ما قتل ، وقالوا : إنّ الّذين قتلوا من أصحاب النبيّ لو كانوا عندنا ، ولم يخرجوا من المدينة إلى احد ما ماتوا وما قتلوا ، ردّ الله عليهم بقوله : ﴿وَما كانَ لِنَفْسٍ﴾ من النّفوس ، وحيّ من الأحياء ﴿أَنْ تَمُوتَ﴾ بسبب من الأسباب ، أو بإرادة مريد ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾ وإرادته ، وبسبب أمره ملك الموت بقبض روحه ، فلا يؤثّر تراكم الأسباب العاديّة للموت - من الخروج عن الحصن ، وتهاجم الأعداء ، وتخاذل الأنصار ، وغير ذلك - في موت أحد ما لم تكن إرادة الله ومشيئته ، فإنّه كتب الموت ﴿كِتاباً﴾ وقدّره تقديرا ﴿مُؤَجَّلاً﴾ مؤقّتا ، لا يؤخّره التّحصّن في البلد والفرار من الزّحف ، ولا يقدّمه الثّبات في الجهاد والخروج إلى العدوّ ، فالمجاهد لا يموت بغير أجله ، والقاعد لا يسلم مع حضور أجله.
وفيه تعريض على أكثر (٥) أصحاب الرّسول صلىاللهعليهوآله ، وتحريض للمؤمنين على القتال ، وتشجيع لهم ، ووعد للرّسول صلىاللهعليهوآله بالحفظ وتأخير الأجل.
__________________
(١) الاحتجاج : ٦٢ ، تفسير الصافي ١ : ٣٥٨.
(٢) تفسير أبي السعود ٢ : ٩٤.
(٣ و٤) . تفسير الرازي ٩ : ٢٢.
(٥) كذا ، والظاهر : تعريض بأكثر ، أو لأكثر.