وإنّي تارك فيكم الثّقلين : أوّلهما : كتاب الله ، فيه الهدى والنّور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي خيرا » (١) . مضافا إلى تراكم القرائن القطعيّة على موته ، من صراخ أهله ، واشتغال عليّ عليهالسلام بتجهيزه ، إلى غير ذلك.
وليت شعري ، كيف لم يجوّز هنا موت النبيّ صلىاللهعليهوآله وأنكره حتّى اختلق من قبل نفسه أنّه صلىاللهعليهوآله ذهب ليناجي ربّه ... إلى آخر ما نقله شيعته عنه.
وجوّز موته صلىاللهعليهوآله في يوم أو يومين قبله ، حين دعا صلوات الله عليه وآله بدواة وكتف كي يكتب كتابا لا يختلفون فيه ولا يضلّون بعده ، حيث قال : حسبنا كتاب الله (٢) - يعني : بعد موته -
بل قطع بقتله في احد ، بمجرد سماع قول القائل : قد قتل محمّد ، من غير فحص وتحقيق ، مع قرب مكانه من مقام النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وقال لأنس بن النضر معتذرا عن فراره من الزّحف : قد قتل محمّد صلىاللهعليهوآله (٣) .
وقال بعد توبيخ الرّسول صلىاللهعليهوآله أصحابه الفارّين من الزّحف : إنّه أتانا خبر قتلك ، فاستولى الرّعب على قلوبنا ، فولّينا مدبرين (٤) .
ثمّ أنّه لا يمكن الاعتذار عن إنكاره موت النبيّ صلىاللهعليهوآله بنسيانه آية ﴿وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾ حيث إنّها نزلت في شأنه وشأن أصحابه ، بعد فرارهم من الزّحف في واقعة احد ؛ لأنّ نسيان تلك الآية كان مشروطا بنسيان تلك الوقعة ، وهو من المحالات العاديّة في حقّه. ولا بغفلته عنها لاضطراب خاطره ، لدلالة ما اختلقه على جمعيّة حواسّه ، وسكون خاطره ، وقوّة فكره ، وكمال تدبيره.
فتحصّل من جميع ما تقدّم : أنّ الوجه في صدور هذا القول الشّنيع منه منحصر في كونه حيلة احتالها ، لتفريق النّاس عن باب بيت النّبوّة ، وصرف القلوب عن التّوجّه إلى عليّ عليهالسلام ، وجمع النّاس في السّقيفة. فلمّا التفت أبو بكر إلى أنّ هذا القول فساده أظهر من أن يخفى على ذي مسكة ، بادر إلى إظهار خلافه ، وصرف عمر عنه ، لئلّا تزداد فضيحتهما.
عن الصادق عليهالسلام : « أتدرون ، مات النبيّ صلىاللهعليهوآله أو قتل ؟ إنّ الله يقول : ﴿أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ﴾ - ثمّ قال عليهالسلام - : [ فسمّ قبل الموت ] إنّهما سقتاه قبل الموت » يعني الامرأتين لعنهما الله (٥) .
ثمّ هدّد الله سبحانه المؤمنين على ارتدادهم بقوله : ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ﴾ ويرجع إلى كفره الأصليّ ﴿فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ﴾ بارتداده ورجوعه إلى الكفر ﴿شَيْئاً﴾ من الأشياء ؛ لأنّه تعالى منزّه عن النّفع
__________________
(١) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ / ٢٤٠٨ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٦٢ / ٣٧٨٦ و٣٧٨٨ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٤٨.
(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٢٥٩ / ٢٢ ، صحيح البخاري ٧ : ٢١٩ / ٣٠ ، مسند أحمد ١ : ٣٢٤.
(٣) تفسير روح البيان ٢ : ١٠٣.
(٤) تفسير الرازي ٩ : ٢١ ، تفسير روح البيان ٢ : ١٠٤.
(٥) تفسير العياشي ١ : ٣٤٢ / ١٥٢ ، تفسير الصافي ١ : ٣٥٩.