لمّا توفّي رسول الله صلىاللهعليهوآله اضطرب المسلمون ، فمنهم من دهش ، ومنهم من اقعد ولم يطق القيام ، ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام ، ومنهم من أنكر موته بالكلّيّة ، حتّى غفل عمر عن هذه الآية الكريمة عند وفاته صلىاللهعليهوآله ، وقام في النّاس فقال : إنّ رجالا من المنافقين يزعمون أنّه عليهالسلام توفّي ، إنّ رسول الله ما مات ، ولكنّه ذهب إلى ربّه ، كما ذهب موسى بن عمران ، فغاب عن قومه أربعين ليلة ثمّ رجع ، والله ليرجعنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولاقطّعنّ أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنّ رسول الله مات.
ولم يزل يكرّر ذلك إلى أن قام أبو بكر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها النّاس ، من كان يعبد محمّدا فإنّ محمّدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت ، ثمّ تلا : ﴿وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾.
قال الرّاوي : والله ، لكأنّ النّاس لم يعلموا أنّ هذه الآية نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوآله حتّى تلاها أبو بكر ، فاستيقن النّاس كلّهم بموته (١) .
وفي رواية أبي السعود : قال عمر : والله ما هو إلّا أن سمعت أبا بكر يتلو فعقرت حتّى لا تحملني رجلاي ، وعرفت أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قد مات (٢) ، انتهى.
[ وذلك ](٣) لوضوح أنّ ضعف إيمان كثير من الصّحابة ونفاق كثير منهم وحبّهم للحياة ، صار سببا لفرارهم في احد قبل سماع خبر قتله صلوات الله عليه ، لا غفلتهم عن آية ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ؛﴾ فإنّ الآية لم تنزل بعد ، وإنّما نزلت في حجّة الوداع.
وأمّا إنكار عمر موت النبيّ صلىاللهعليهوآله فلم يكن لغفلته عن آية ﴿وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾ بل لتغافله عنها ، وتدبيره في إلقاء الشّبهة في قلوب النّاس وتفرّقهم عن باب بيت النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ليتمكّن في برهة من الزّمان إلى أغراضه الفاسدة لوضوح أنّ الاعتقاد بموت النبي صلىاللهعليهوآله لم يكن متوقّفا على إخبار الله بأنّه يموت ، وعلى الالتفات للآية الكريمة.
بل كان موت الأنبياء من ضروريّات جميع أهل الملل والأديان ، مع إخبار الله بموتهم في مواضع من الكتاب الكريم ، مضافا إلى كفاية عموم قوله تعالى : ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ﴾(٤) مع عدم ظهور مخصّص له وإخباره صلىاللهعليهوآله بموته مكرّرا ، حتّى سأل أبو بكر وعمر منه صلىاللهعليهوآله وقالا له : يا رسول الله ، إذا حدث حدث فإلى من نرجع ؟
وقوله صلىاللهعليهوآله ، في الحديث المتفق بين الفريقين : «إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي فاجيب،
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ١٠٤.
(٢) تفسير أبي السعود ٢ : ٩٣.
(٣) في النسخة : بياض ، وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(٤) آل عمران : ٨٣ / ١٨٥.