فكمن لحمزة ، قال : فرأيته يهذّ (١) النّاس هذّا ، فمرّ بي فوطئ على طرف (٢) نهر فسقط ، فأخذت حربتي فهززتها ، ورميته فوقعت في خاصرته وخرجت من ثنّته (٣) فسقط ، فأتيته وشققت بطنه ، فأخذت كبده وجئت به إلى هند فقلت : هذه كبد حمزة ، فأخذتها في فمها فلاكتها ، فجعلها الله مثل الدّاغصة ؛ وهي عظم رأس الرّكبة ، فلفظتها ورمت بها.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « فبعث الله ملكا فردّها إلى موضعها » . قال وحشيّ : فجاءت هند إليه فقطعت مذاكيره [ وقطعت اذنيه ] وقطعت يده ورجله.
ولم يبق مع رسول الله صلىاللهعليهوآله إلّا عليّ عليهالسلام ، وأبو دجانة سماك بن خرشة ، فكلّما حملت طائفة على رسول الله صلىاللهعليهوآله استقبلهم عليّ عليهالسلام فدفعهم حتّى انقطع سيفه ، فدفع [ إليه ] رسول الله صلىاللهعليهوآله سيفه ذا الفقار. وانحاز رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى ناحية فوقف ، وكان القتال من وجه واحد ، فلم يزل عليّ عليهالسلام يقاتلهم حتّى أصابه في وجهه ورأسه ويديه (٤) ورجليه سبعون جراحة.
قال : فقال جبرئيل عليهالسلام : إنّ هذه لهي المواساة يا محمّد ، فقال له : « إنّه منّي وأنا منه » .
وقال الصادق عليهالسلام : « نظر رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى جبرئيل عليهالسلام بين السّماء والأرض على كرسيّ من ذهب ، وهو يقول : لا سيف إلّا ذو الفقار ، ولا فتى إلّا عليّ » (٥) .
وفي رواية : بقي معه صلىاللهعليهوآله عليّ عليهالسلام وسماك بن خرشة أبو دجانة رضى الله عنه ، فدعاه النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال : « يا أبا دجانة ، انصرف ، أنتّ في حلّ من بيعتك وبيعتي ، وأمّا عليّ فهو أنا وأنا هو » ، فتحوّل وجلس بين يدي النبيّ صلىاللهعليهوآله وبكى وقال : لا والله ، ورفع رأسه إلى السّماء وقال : لا والله ، لا جعلت نفسي في حلّ من بيعتي ، إنّي بايعتك فإلى من انصرف يا رسول الله ، إلى زوجة تموت ، أو إلى ولد يموت ، أو دار تخرّب ، أو مال يفنى ، وأجل قد اقترب ؟ فرقّ له النبيّ صلىاللهعليهوآله فلم يزل يقاتل حتّى أثخنته الجراح ، وهو في وجه ، وعليّ عليهالسلام في وجه ، فلمّا سقط احتمله عليّ عليهالسلام فجاء به إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فوضعه عنده ، فقال : يا رسول الله ، أ وفيت ببيعتي ، قال صلىاللهعليهوآله : « نعم » . وقال له النبيّ خيرا(٦) .
وقال ابن عبّاس : إنّه كثر القتل في المسلمين (٧) .
وفي رواية : وكان النّاس يحملون على النبيّ صلىاللهعليهوآله الميمنة ، فيكشفهم عليّ عليهالسلام ، فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فلم يزل كذلك حتّى قطع سيفه بثلاث قطع ، فجاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فطرحه بين
__________________
(١) هذّ : قطع بسرعة.
(٢) في مجمع البيان : جرف.
(٣) في النسخة : ثنيته ، وثنته ، أي أسفل بطنه.
(٤) زاد في مجمع البيان : وبطنه.
(٥) مجمع البيان ٢ : ٨٢٥ ، تفسير الصافي ١ : ٣٤٧.
(٦) الكافي ٨ : ٣١٨ / ٥٠٢ ، تفسير الصافي ١ : ٣٥٧.
(٧) تفسير الرازي ٩ : ٢٠.