من بني عبد الدار ، فصار لواؤهم إلى عبد لهم أسود يقال له صواب ، فانتهى إليه عليّ عليهالسلام فقطع يده ، فأخذ الرّاية بيده اليسرى ، فضرب يسراه فقطعها ، فاعتنقها بالجذماوين (١) إلى صدره ، ثمّ التفت إلى أبي سفيان فقال : هل أعذرت في بني عبد الدار ؟ فضربه عليّ عليهالسلام [ على رأسه ] فقتله ، فسقط اللّواء فأخذته عمرة بنت علقمة الكنانية فرفعته.
وانحطّ خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير وقد فرّ أصحابه وبقي [ في ] نفر قليل ، فقتلهم على باب الشّعب ، ثمّ أتى المسلمين من أدبارهم.
ونظرت قريش في هزيمتها إلى الرّاية قد رفعت فلاذوا بها ، وانهزم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله هزيمة عظيمة ، وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كلّ وجه ، فلمّا رأى رسول الله صلىاللهعليهوآله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه ، وقال : « إنّي (٢) أنا رسول الله ، أين تفرّون عن الله وعن رسوله ؟ » (٣) .
﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ
تَنْظُرُونَ (١٤٣)﴾
فظهر عند ذلك كذب جماعة ، كانوا يتمنّون الشهادة ويلحّون على النبيّ صلىاللهعليهوآله في الخروج عن المدينة لجهاد المشركين ، فوبّخهم الله تعالى بقوله : ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ﴾ قبل الوقعة ﴿تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ﴾ بالشّهادة ، وتظهرون اشتياقكم إليه ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ﴾ وتشاهدوه بمشاهدة مباديه ، وتعرفوا هوله وشدّته ، فإن كنتم صادقين في إظهار التّمنّي ﴿فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ﴾ برؤية أسبابه ﴿وَأَنْتُمْ﴾ لفرط قربه إليكم كأنّكم ﴿تَنْظُرُونَ﴾ إليه وتعاينونه حين قتل بين أيديكم من قتل [ من ] إخوانكم وأقاربكم ، وشارفتم على أن تقتلوا ، فلم هزمتم وفعلتم ما فعلتم وتركتم الرّسول بين أعدائه ؟ وفيه غاية التّوبيخ والتّقريع.
في وقعة احد ، وشهادة حمزة عليهالسلام
وروي أنّه كانت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان في وسط العسكر ، وكلمّا انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلا ومكحلة وقالت : إنّما أنت امرأة فاكتحل بهذا ، وكان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا ، ولم يثبت له أحد ، وكانت هند [ قد ] أعطت وحشيّا عهدا : لئن قتلت محمّدا أو عليّا أو حمزة لاعطينّك كذا وكذا - وكان وحشيّ عبدا لجبير بن مطعم ، حبشيّا - فقال وحشيّ : أمّا محمّد فلا أقدر [ عليه ] ، وأمّا عليّ فرأيته حذرا كثير الالتفات فلا مطمع فيه ، وأمّا حمزة فلعلّي أقتله.
__________________
(١) الجذماوين : مثنى الجذمة ، وهي الأصل الباقي من اليد المقطوعة.
(٢) في مجمع البيان : إليّ.
(٣) مجمع البيان ٢ : ٨٢٥ ، تفسير الصافي ١ : ٣٤٦.