يديه وقال : « هذا سيفي قد تقطّع » ، فيومئذ أعطاه النبيّ صلىاللهعليهوآله ذا الفقار ، ورأى اختلاج ساقيه من كثرة القتال ، فرفع رأسه الى السّماء وهو يبكي وقال : « يا ربّ ، وعدتني أن تظهر دينك ، وإن شئت لم يعيك» (١) .
في ارتداد جمع من الصحابة في احد
وقال ابن عبّاس : ورمى عبد الله بن قميئة الحارثي رسول الله صلىاللهعليهوآله بحجر فكسر رباعيّته ، وشجّ وجهه ، وأقبل يريد قتله ، فذبّ عنه مصعب بن عمير ، وهو صاحب الرّاية يوم بدر ويوم احد ، حتّى قتله ابن قميئة ، وظن أنّه قتل رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : قد قتلت محمّدا ، وصرخ صارخ : ألّا إنّ محمّدا قد قتل ، وكان الصارخ الشيطان لعنه الله ، ففشا في النّاس خبر قتله صلىاللهعليهوآله.
فهنالك قال بعض المسلمين : ليت عبد الله بن أبيّ يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان ، وقال قوم من المنافقين : لو كان نبيّا لما قتل ، ارجعوا إلى إخوانكم وإلى دينكم ، وقال أنس بن النّضر رضى الله عنه - عمّ أنس بن مالك - : يا قوم ، إن كان قد قتل محمّد صلىاللهعليهوآله فإنّ ربّ محمّد حي لا يموت ، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قاتلوا على ما قاتل عليه ، وموتوا على ما مات عليه ، ثمّ قال : اللهمّ إنّي اعتذر إليك ممّا يقول هؤلاء ، ثمّ سلّ سيفه فقاتل حتّى قتل رضى الله عنه (٢) .
وفي رواية بعض المفسّرين من العامّة : أنّ أنس بن النضر أقبل إلى عمر بن الخطاب ، وطلحة بن عبد الله ، في رجال من المهاجرين والأنصار ، فقال لهم : ما يحبسكم ؟ قالوا : قتل محمّد صلىاللهعليهوآله ، فقال رضى الله عنه : ما تصنعون بالحياة بعده ؟ موتوا كراما على ما مات عليه نبيّكم. ثمّ أقبل نحو العدوّ فقاتل حتّى قتل رضوان الله عليه (٣) .
وروي أنّه مرّ بعض المهاجرين بأنصاريّ يتشحّط في دمه فقالوا : يا فلان ، أشعرت أنّ محمّدا قد قتل ؟ فقال : إن كان قد قتل فقد بلّغ ، قاتلوا على دينكم (٤) .
قال كعب بن مالك : أنا أوّل من عرف رسول الله صلىاللهعليهوآله من المسلمين ، رأيت عينيه من تحت المغفرة (٥) تزهران ، ينادي بأعلى صوته : « إليّ عباد الله » (٦) . فاجتمعوا إليه ، فلامهم رسول الله صلىاللهعليهوآله على هزيمتهم ، فقالوا : يا رسول الله ، فديناك بآبائنا وأمّهاتنا ، أتانا خبر سوء فرعبت قلوبنا فولّينا مدبرين (٧) .
__________________
(١) الكافي ٨ : ٣٢٠ / ٥٠٢ ، تفسير الصافي ١ : ٣٥٧ ، ولم يعيك ، بمعنى لم يعجزك ولم يتعبك.
(٢) تفسير الرازي ٩ : ٢٠.
(٣) تفسير روح البيان ٢ : ١٠٣.
(٤) تفسير الرازي ٩ : ٢٠.
(٥) المغفرة أو المغفر : درع منسوج من حلق على قدر الرأس ، يلبس تحت القلنسوة.
(٦) زاد في تفسير روح البيان : إليّ عباد الله.
(٧) تفسير روح البيان ٢ : ١٠٤.